الناقد الناشر الأستاذ عبدالله الماجد على مر السنين لما يزل هو في سباق مع نفسه في عمله مهما تنوع به، فهو في جوّانيته ينطوي على حب الأدب، مرت بنا سنوات قد أشير إليها بأوسط الستينيات من القرن الماضي،كان كل منا ومع أنداد في مرحلة الشباب عمراً وتجربة كتابية تشير إلى أن هناك ما يشي بالمستقبل مشرق، وعبدالله يحث على الجهد والجد، تفاوتت بين بعضنا التوجهات العمل الرسمي، ولكن ظل الأدب يكسو ساحتنا نحرث ونزرع ونسقي من مساحات صغيرة تنامت حتى صارت حقولاً مثمرة، كان همي أن يكون للشعر مكانه فيما زرعت وعملت على رعايته حتى يومي،كلما هجم استقبلته مرحباً حسب الظروف المزاجية ليكون، التعاون في تقديم جديد للساحة.
عبدالله الماجد قبل أن افتح صفحات كتابه النقدي من بدايته، يحتم على المقام أن أقول بكل أمانة بأنه منذ أن تعارفنا في مكتبه بالعلاقات العامة بوزارة المعارف (التربية والتعليم) إذْ اصطحبني إلى مدير العلاقات بالوزارة آنذاك الأستاذ خالد خليفة الأديب القاص للتعرف عليه والحديث معه عن الأدب والقصة ونتاجه الموسوم بـ(الشيخ حميد) وكان في مقامه الكبير بين الكاتبين بما يساهم من كتابات مزجت بين الأدب الجاد والساخر، وبعد هذه المقابلة وما سمعت وشاهدت من حوار بين الماجد الشاب والأستاذ الكبير خالد خليفة، ابتهجت بأن صديقي يجب أن أحافظ عليه ففي رفقته فائدة لكينا، وفعلاً كانت الأيام تشهد ما بيننا من وفاق ومودة واحترام، فالماجد جمع الحسن في ثلاث (الْخِلْقَة والْخُلُقْ والْخَلْقْ) فالمظهر الجسماني الذي حباه الله به، صَاحَبَتْهُ أخلاقٌ حميدة يشهدها الجميع، والخَلق جاء في إبداعه الذي يسطره قلمه من شعر ونثر، إلا أنه كانت رغبته الملحة في أن يسلك الطريق الصعب، ويثبت قدرته في مجال النقد الأدبي والدراسات الأدبية التي برع فيها وأتت بروِيَّة بأعمال نقدية ودراسات لها مكانتها في ساحة الفكر العربي، سأشير إلى الأولية التي كانت بمثابة إشارة بدء طريق النقد الأدبي لدى الأستاذ، في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وفي حميَّا فورتنا الكتابية لكي نُثبّت أقدامنا في مجال الأدب، وبحكم عملنا الذي نمارس فيه هواية الأدب، كنا التحقنا في الصحافة غير متفرغين عبدالله وأنا وغيرنا من الزملاء، في جرائد ومجلات الرياض عاصمة الكيان الكبير( الرياض اليومية/ اليمامة الأسبوعية/ الجزيرة/ الدعوة الأسبوعية) تطبع جميعها في 0مطابع الرياض بحي المرقب)نكتب مواضيع وقصائد ونحرر المواد التي توكل إلينا من قبل رؤساء ومديري التحرير، وكانت اليمامة التي يرأس تحريرها الأستاذ محمد الشدي قد أصدرت ملحقا شبه كتيب أنيق لم يستمر، عندما صدر العدد الثالث الذي كلفنا (الماجد/الحميدين) بسكرتارية، التحرير، إخراج الراحل (علي العفيصان) لهذا العدد، الذي صدر في يونيو 1974 ووفقنا في أن شارك فيه عدد من الأدباء والمفكرين والأدباء من المملكة وخارجها، وقد كانت مشاركتي بقصيدة(رحلة المراحل) أما الأستاذ عبدالله الماجد، فكانت مشاركته دراسة نقدية مطولة بعنوان (النار والشعر/وعنوانها الفرعي: دراسة للإطار التاريخي والإطار الموضوعي في تجديد الشعر العربي) امتدت من ص154 إلى172،بدأها: «ينسب إلى الخليل بن أحمد قوله: إنما أنتم معشر الشعراء، تبع لي وأنا ساكن السفينة، إن قرظتكم ورضيت قولكم نفقتم وإلا كسدتم» ثم يضيف لتوجه بوصلته تجاه الطريق الذي يريد « وعلى الرغم من أن هذه الوصاية سادت على الشعر العربي حتى اليوم، وستظل، إلا أن تاريخ الشعر العربي أثبت في فترات متباعدة أنها هتكت» ويمر على الحركات التي غمزت وخرجت على مقولة (الشعر هو الكلام الموزون المقفى) في تمرد أو تجاهل للخليل وما أوصابه، مشيراً إلى أبي العتاهية، وأبي نواس، وغيرهم في القديم إلى أن وصل العصر الحالي مستنداً على الوثائق والأدلة من المراجع، (في الشعر الحر) ولا يتجاهل (الخروجات) التي كانت في تلك الفترة التي مضى عليها ما يقارب الثلاثة أرباع القرن.
استمر في دراساته النقدية، واحتضن الكتب النقدية وغير النقدية في مكتبة ودا نشر (المريخ) خدم من خلالها الثقافة العربية بالمشاركات في معارض الكتاب العالمية ضمن الناشرين السعوديين، ولم يثنه النشر والتسويق عن عمله النقدي الدارس فآخر ما صدر له كتاب متميز بعنوان (صوت الخيّام/الرباعيات بين الانتحال والتدوين) أواخر 2019 في دراسة مستفيضة مستقصية وهذا يدل بأن روح الناقد الباحث ما بين عمود النار وهذه الدراسة لا زالت ترقى في درجات سلم النقد العليا مضيفة إلى دراجاته درجات إضافية خلال ما ينيف على العقود الأربعة وما قبلها بما يعمل في سبيله من عطاءات انتشرت معلنة عن ذاتها في الساحة الثقافية الكبرى تأليفا ونشراً.
خطوات مباركات مصاحبات لأبي عادل دالة على شخصية تعي واعبة ومستوعبة لما ينبغي للأديب الذي يعرف الأدب وما ينبغي له، وكان له تقديره، وأملي أن يمد الساحة بما ينبغي لها وهو في ذلك قدير، فلتظل نار الشعر/الدراسات متقدة أبداً.
** **
- سعد الحميدين