حمد بن عبدالله القاضي
غاب وغبنا كثيراً: لقاءً وحرفاً.
ثم التقينا ووجدته هو الإنسان الذي يعمر قلبه سنَا المحبة ويستوطن محياه وجوانحه النقاء.. وكأن الشاعر الأحنف بن قيس يعنيه
أغيب عنك بود لا يُغيِّره
نأيُ المكان ولا صرف من الزمن
* * *
ذلكم هو الأديب الناقد الأستاذ عبدالله الماجد البعيد عن الأضواء القريب بالعطاء
عرفته وأنا أدبّ على درب الكتابة بأولى خطواتي «الخواطرية».. وربما يسمى قليل منها «أدبية»
ذلك حيث جئت من ديرتي «عنيزة» للدراسة الجامعية بالرياض ولم أكن أعرف أحدا من القامات الثقافية التي كنت أقرأ لها ما عدا شخص واحد - بحكم صلة القرابة - وهو أخي الشاعر الكبير أ. أحمد بن صالح الصالح «مسافر.»
* * *
التقيت أ. عبدالله بدارة «مسافر» ومنذ لحظتها شعرت بحميميته وروحه التحفيزية لي كناشئ ولا أنسى حديثه لي عن القراءة وتحديد كتب أدبية لأقرأها وبأريحية منه عرض كتاباتي عليه هو والعزيز أ. أحمد. وقد كانا السبب بدخولي عالم الصحافة الأدبية عن طريق الأدب ثم الصحافة المتعبة التي أخرجتني من جنة الكلمة الأدبية.
* * *
وكان الفضل للحبيبين الصالح والماجد بتعرفي على بعض القامات الأدبية مثل: أ. علوي الصافي وأ. سعد الحميدين ود. فهد العرابي الحارثي وغيرهم وبدعم من «الماجد» و»الحارثي» بدأت أكتب بعض الكتابات الأدبية وأنا طالب بالرياض بملف «الرياض الأدبي».
* * *
ثم طلب مني المرحوم أ. محمد العجيان -رحمه الله - مدير تحرير صحيفة الرياض أن أعمل محرراً صحفياً متعاوناً إلى جانب تعاوني مع الملحق الأدبي، حيث كنت وقتها طالبا
وشجعني على دخول الميدان الصحفي ولما تمنَّعت بحجة صعوبة ذلك أقنعني -رحمه الله - وأشار لمقالات لي بسيطة كنت أكتبها بالشأن العام وأنا أدرس بالمعهد العلمي بعضها طلبات وحاجات للديرة وتم نشرها وهذه كما قال أ. العجيان مادة الصحافة.
* * *
أ. عبدالله الماجد رغم عمله بالتحرير الصحفي ظل ناقدا وباحثا تمتاز دراساته الأدبية والنقدية بالموضوعية والنأي عن الهوى وظل الأدب عشقه فلم تسحبه الصحافة إلى عالمها رغم أنه حتى حين أصبح مديرا لتحرير صحيفة الرياض بقي مهتما بالكلمة الأدبية وينشر الدارسات بالصحيفة والمجلات الثقافية.
وكانت الأقسام الأدبية بصحيفتي الرياض والجزيرة ملتقى لقاءات الأدباء
ولعلي وأخي الأديب أ. محمد رضا نصر الله محظوظين حين أنست عيوننا بالتكحّل برؤية الآباء والشعراء الرواد حين كانوا يزورون الصحف «فتجسّرت» العلاقة بهم ومعهم وكانت ذلك لي ولأبي فراس جسراً نحو استكتابهم واستضافتهم صحفيا وتلفزيونيا.
* * *
إن علاقة أ. عبدالله بالرموز وقتها والتي سبقنا بها مثل الأديب عبدالعزيز الرفاعي والأديب خالد الخليفة والمؤرِّخ الأديب محمد حسين زيدان رحمهم الله السبب الرئيس باستمرار شغفه بالشأن الثقافي والبحث التاريخي وخاصة حين ودَّع العمل المهني الصحفي واقترب من هذه الأسماء الكبيرة ناهلاً من عطائها.
* * *
وكان ختام رحلة الماجد التحريرية التحاقه بمجلة دارة الملك عبدالعزيز مع أستاذه المؤرِّخ محمد حسين زيدان -رحمه الله - حين اختاره معالي الشيخ حسن آل الشيخ رئيساً لتحرير مجلة الدارة التي كانت تصدر عن دارة الملك عبدالعزيز فشارك أ. عبدالله مع أستاذه الزيدان وتولى إدارة تحريرها وأسهم بكتابة الأبحاث فيها.
كما تواصل مع الموسوعي أبو عبدالرحمن بن عقيل واشترك معه بعديد من الدراسات المتنوعة.
* * *
ثم أخيراً أرسى على ميناء مرتبط بشغفه المعرفي للحرف حين أنشأ «دار المريخ للنشر» التي بدأت تنشر الكتب البحثية والعلمية والأدبية متوجهة لكل الأطياف: باحثين وطلاباً وعلماء ولا تزال هذه الدار تنشر بتضحيات من صاحبها رغم التناقص الحاد المشهود بالإقبال على الكتاب المطبوع.
* * *
*كيف صعد الماجد للمريخ؟
* أذكر هنا بختام هذه السطور»طرفة» لأطري عيونكم رافقت بداية إصدارات دار المريخ فقد كان أول كتاب أصدرتَه الدار عنوانه «حمار حمزة شحاتة» فكتبتُ خبراً أدبياً بالملحق الأدبي بـ»الجزيرة» الذي كنت أشرف عليه وجعلت عنوان الخبر: «الأديب عبدالله الماجد يصْعد للمريخ على صهوة حمار» وكان العنوان لافتاً وظريفاً وصار وقتها محل دعابات بيننا بذلك الأسبوع!
وبعد:
الحديث يعذب ويطول عن المحببين الذين نسجت العلاقةَ بينهم خيوط الأدب الحريرية وجسور الصداقة المستدامة ومثل هذا الأفق الجاذب لا تختزله كلمات محدودة..
لكن هذه السطور ما هي إلا محطات ولمحات عن هذا الأديب والناقد المتميز حين طلبت مني «الجزيرة الثقافية» المشاركة بهذا الملف الوفائي عن هذا الرمز الأدبي كعادتها بملفاتها عن الرموز.
* * *
*عبق ذكرى!
«يا رِفقةَ العمر طيف للصّبا عبرا
فاستوقفوه عسى نسترجع الذّكرا
أحباب جمّعنا حبٌّ وفرّقنا
درب المكارم إذ كانت لنا قدرا
سعتْ إليكم سنين العمر ضارعة
أن نجمع الشمل في ساحاتنا نضرا»
... ... ... ...
(*) محبه المعترف بفضله