د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
أما الأناقة، ومعها الوسامة، فعطاء رباني وذوق إنساني؛ من يعطهما فليحمد الله، ومن حرم منهما فلن يضيره فقدهما؛ لتبقى «الصداقة» مرتبطة بالصدق والمصداقية؛ وفيها - لمن وعى - شفاء وعطاء وانتماء.
نعد أنفسنا - ممثلي جيل الوسط في التحرير الثقافي - تلاميذ لمدرسته وزملائه، وفي صحافة الوسطى علامات بارزة لما قام به «حمد القاضي وأحمد الصالح وصالح الأشقر ومحمد رضا نصر الله وعبدالكريم العودة ومحمد جبر الحربي وجار الله الحميد وسعد الحميدين وآخرون» يطول حصرهم؛ مَنْ مثَّل حضورهم في سبعينيات القرن الماضي ملامح مضيئة للمشهد الثقافي المرهص بالتغيير الكبير الذي جرى في وقت لاحق، وتحديداً في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
ورغم عدم وجود دراسات علمية حول الصفحات الثقافية في تلك الفترة إلا أن (عبد الله الماجد) يظل الاسم الأهم الذي وصل إلى درجة «مدير تحرير»، وقام بعمل رئيس التحرير، وظلت علاقته المهنية بعالم الكلمة متواصلة؛ فبعد «الرياض» الدارة ودار المريخ، ومعها لم ينقطع عن الكتابة إلا لماماً.
أبو عادل تأسره الكلمة الطيبة، وربما كانت هي السبب في عودة قلمه عبر بوابة «الثقافية» حين وجد احتفاء بعطاءاته، رغم عدم سابق معرفة شخصية أو تلازم عملي؛ فخص مجلته الصغيرة بسلسلة مقالاته الوفائية المتميزة (وعشت في حياتهم)، كما انضم لكتاب المقالات في «الجزيرة الأم»، وانتظم في ذلك زمناً، لكن إقامته شبه الدائمة خارج الوطن (في القاهرة المحروسة) أخر بعض الزوايا، مع وعد منه باستئناف قريب.
* * *
اختط لدار المريخ مساراً متفرداً؛ فعرفت بعنايتها بالدراسات التطبيقية الأكاديمية، والكتب الثقافية المُضيفة؛ فابتدأت بمثل (حمار حمزة شحاتة) و(عندما يسقط عراف المسافر)، واهتم الأستاذ عبدالله الماجد بمجلته المحكمة المختصة بالآثار؛ حيث هو صاحب (العصور) ورئيس تحريرها.
* * *
الماجد ناشر نشط دؤوب، وقد بذل جهوداً استثنائية للعثور على كتاب الصليبي (بوش الجد) عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، واستطاع - بمعونة صديقه العزيز وصديقنا الكبير الأستاذ عبدالله الناصر - الحصول على نسخة أصلية مضى عليها قرنان؛ فترجمها وراجعها وأصدرها لتكون شاهداً على إرث الأحقاد الذي انتقل للأحفاد؛ فلم تكفهم إسفافات الجد، بل أضافوا بغي الحفيد وابنه؛ ما لن تنتهي آثاره الفاجعة في زمن منظور.
* * *
عبدالله العلي الماجد (1368هـ) القادم من الأفلاج، والمتنقل بين قيود الأرض وفضاء المريخ، حفي وفي، يتواصل مع من يقطعون، ويتذكر من ينسون، ويفرح حين يستدعي ذكرياته مع أستاذه الجليل محمد حسين زيدان - عليه رحمة الله -، ويستعيد عمله بجانبه في مجلة «الدارة»؛ فهما مؤسساها قبل أكثر من ثلث قرن، أحدهما الرئيس والثاني المدير، ودور «زيدان» في مسيرته لا يقف هنا؛ فهو أب روحي له ولعبدالله الجفري - غفر الله لهما وأمد بعمر شيخنا الصغير أبي عادل -.
* * *
الماجد زاهد في الظهور، والذاكرة المثقوبة في زمننا لا تسع أمثاله من المتوارين، ولن يضيره؛ فالظهور - هذه الأيام - ليس دليل جودة؛ وكما قال رمزنا الجميل الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله -: إن الكُتَاب لدينا صاروا أكثر من السكان.
الريادة أمجاد.
... ... ... ...
** مقال سبق نشره في زاوية إمضاء 14-1-2010 ونعيده اتساقًا مع هذا الملف.