حمد بن عبدالله القاضي
تأليف د. فهاد بن معتاد الحمد
* بعض الكتب ترى وأنت تنتهي من قراءتها أن عنوان الكتاب كان معبراً تماماً عن مضمونه مبلوراً ما احتوت صفحاته.
«خلاصة الأيام» ينطبق عليه هذا الوصف فهو سيرة رجل جمع بين العصامية والطموح والنجاح بعيداً عن الأضواء.
* * *
* خلاصة قصة طموح تُروى
معالي المؤلف الفاضل د. فهاد بن معتاد الحمد الذي بدأ حياته بنقل العلف على دراجته النارية من المزرعة الصغيرة لوالده إلى السوق بسكاكا «الجوف» واستمر جامعاً بين معاونة والده ودراسته الابتدائية والمتوسطة ثم غادر سكاكا إلى جدة لإكمال هدفه العلمي الجامعي.
ثم للرياض بهدف مواصلة دراسته العليا خارج الوطن ثم عاد بعد حصوله على الدكتوراه إلى معهد الإدارة الذي التحق فيه قبل بعثته وتدرج بأعماله فيه حتى صار نائباً لمدير عام المعهد ثم التحق بمجلس الشورى عضواً ثم مساعداً للرئيس وكان ختام مسيرته وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات.
* * *
* التحديَّات التي انتصر عليها
لقد تجاوز خلال مسيرته الدراسية والعملية تحديات عسيرة كما وفقه الله لإنجازات بمسيرته
وخلال رحلته الحياتية وقف معه محبون له كانوا سنداً له ولا بد لتحقيق النجاح - كما يقول المثل - من ساعد يتكئ عليه الإنسان بعد توفيق الله.
* * *
* السواعد اتكأ عليها
أول سند له والده الذي كان محفزاً له على الجدية والطموح وكسب الرزق من وقد جمع بتربيته بين الجدية والعطف رحمه الله.
ثم كان الساعد الآخر: القوة الناعمة «أمه» التي سكبت عليه من رعايتها وحنانها ما أعانه على مواجهة الحياة.. هذه الأم الواعية رغم عدم تعلمها تابعت دراسته وبلغ من حنانها ورعايتها له أنها «تقشّر» له التفاحة بجانب فراشه ليأكلها حين يصحو صباحاً - رحمها الله.
وكان المؤلف وفياً وهو يسرد ما قام به والداه نحوه من تربية ورعاية وتحقيق لمتطلباته الحياتية على قدر ظروفهما المعيشية وقتها.
الإنسان الثالث الذي ضمه مع والديه بإهدائه الكتاب هو زوجته الصابرة التي ذاقت معه رحيق الحياة وحريقها ورعت أولادها لانشغال والدهم حتى تعلموا والتحقوا بالعمل كفاءات وطنية تشارك بتنمية الوطن كتب الله لها عاجل الشفاء.
ولم يقف وفاؤه على والديه فقد امتد لخارجهم من فضلاء وقفوا معه وبمقدمتهم اللواء ركن معاشي بن زوقان العطية الذي كان العضد الأهم بعد أمه وأبيه بتحقيق طموحه الدراسي ومسيرته العلمية.
* * *
* ذاكرة المكان وزمن الصبا
تحدث بهذا الفصل حديثاً عذباً عن سكاكا الجوف التي عاش فيها أيام صباه وبداية شبابه حيث درس فيها بالكتاب والابتدائية والمتوسطة، وتحدث عن دراسته بالكُتَّاب بشكل معبر ثم بالمدرسة النظامية ووصف بدقة مبناها الطيني البسيط وكيف كان الطلاب يفترشون الأرض التي توضع عليها «بُسط» ملونة للجلوس عليها.
وقد تحدث بإجلال عن معلميه الذين حتى بقسوتهم كانوا يرعون الطلاب كآباء ومربيين.
وقد أجاد بتوصيفها آنذاك ناعتاً لها خلال نشأته فيها بأنها هادئة رتيبة لم تمسها يد التنمية الشاملة بعد.. وأبدع برسم صورة الناس حين نزول المطر فهو يعني الحياة لهم ولمزارعهم وتحدث عن معاناة أهلها حيث كان أهل سكاكا يسافرون إلى عرعر للحصول على الخدمة الصحية الجيدة لوجود مستشفى عرعر الراقي بها الذي بنته شركة التابلاين ويذكر كيف كان سفر الناس إلى عرعر على الشاحنات التي تقسَّم بألواح خشبية قسم للرجال وقسم للنساء.
* * *
* نقلة كبرى بحياته
نعم كانت نقلة بالغة التأثير عليه من مدينة صغيرة وادعة إلى عاصمة تعج بالحركة فقد ذهب ليلتحق بمعهد التربية الفنية وكان يوفِّر من مكافآته الضئيلة مبلغاً معيناً ليرسله لأهله بسكاكا وقد تخرج من المعهد وعاد لسكاكا وعمل معلماً لذات المادة بسكاكا بالمدرسة التي تخرج منها وكان لديه شغف بالشهادة الثانوية وواصل دراسته مع عمله منتسباً من منزله وكان يجلس طالباً مع من كان يدرسهم ولم يجد غضاضة لمعانقة أمله.
* * *
* اتساع دائرة الطموح عنده
انتسب لجامعة الملك عبدالعزيز وعانى من التردد بين الجوف وجدة بالسيارة حيث كان يجمع بين العمل بسكاكا وبين الدراسة بجدة.
كان يشغل وظيفة بإدارة التعليم بالجوف وكان بحث تخرجه عن التدريب الإداري وأتم بحثه وعانق حلمه الشهادة الجامعية رغم كل التحديات التي واجهها مادياً ومعنوياً.
ثم سعى مرة أخرى للانتقال للعمل بالرياض بحثاً عن فرصة للابتعاث والحصول على الماجستير وكانت وجهته معهد الإدارة لكن فشلت محاولاته للعمل بالرياض بمعهد الإدارة.
* الملك سلمان وتحقيق حلمه
وهنا يذكر قصة تحقيق رغبته على يد الملك سلمان حين كان أميراً للرياض حيث أشار عليه أحد ذوي الخبرة أن يكتب خطاباً لسموه ويذهب لمجلس الأمير سلمان وقتها بقصر الحكم ثم يسلمه الخطاب الذي شرح فيه رغبته الالتحاق بمعهد الإدارة فما كان منه حفظه الله بعد أن قرأ الخطاب إلى أن وجه بكتابة خطاب توصية لقبولي واستلمت الخطاب وذهبت للمعهد وتم قبولي.
* * *
* في معهد الإدارة العامة
عمل فيه ربع قرن موظفاً بدءاً بالإصلاح الإداري حتى وصل إلى منصب نائب مدير عام المعهد وقد أتاح له المعهد تحقيق طموحه الكبير بابتعاثه للحصول على الماجستير والدكتوراه وكان له إنجازات كبيرة بالمعهد وخاصة بالدراسات لبعض الجهات وتنظيمها وهيكلتها كالخطوط السعودية وإمارة المنطقة الشرقية وإمارة منطقة القصيم.
* * *
* عقد الشورى
أمضى بالمجلس عشر سنوات عضواً ثم مساعداً لرئيس مجلس الشورى وقد سعدت بزمالته بالمجلس وشهدت ما قدمه سواء حين كان عضواً أو حين أصبح مساعداً للرئيس وطالما استمعت واستفدت من مداخلاته وتوصياته تحت قبة المجلس والتي كان يلامس فيها نبض الوطن واهتمامات الناس بما يتعلق بمناحي التنمية والتطوير الإداري ثم أضحى عطاؤه أكبر بالمجلس حين تم تعيينه مساعداً وبخاصة لرئيس المجلس وأوكلت إليه عديد من الملفات ومنها ملف الإعلام بالمجلس يتماهى مع تطلعات مع المواطنين الذين يمثلهم الأعضاء وأهمية اطلاعهم على ما يدور فيه والإفادة من المقترحات التي تطرح بوسائل الإعلام أو تأتي من المواطن عبر موقع المجلس الإلكتروني وقد وفق حين اقترح مؤتمراً صحفياً بعد كل جلسة يتم فيه الحديث عما تم بالجلسة سواء ما يتعلق بالشأن التشريعي أو الرقابي أو التنموي.
* * *
* وأصبحت وزيراً
تناول فيه تجربته حين صدر الأمر الملكي باختياره وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات وقد قضى بهذا المنصب مدة قصيرة إلا أنه عمل على إنجاز ما استطاع عليه ومنها تطبيق التنظيم المعتمد للوزارة للقيام بدورها المنوط بها ثم بدأ يستقطب بعض الكفاءات للعمل بالوزارة وقد انتقل بالوزارة إلى مبنى لائق بالمدينة الرقمية كان مخصصاً لبرنامج التعاملات الإلكترونية، كما عمل على معالجة مشكلات بعض شركات الاتصالات المالية والإدارية لتنطلق بأداء مهامها للمزيد من تطوير الاتصالات وتوسعتها وتحقيق المنافسة بينها والتي من شأنها أن تعود لصالح المواطن بتجويد الخدمات واعتدال الأسعار.
* * *
* كتاب كفاح ونجاح
وبعد: هكذا كتاب لم يكن كتاباً تنظيرياً بل جسد بأمانة ومصداقية رحلة مواطن من أبناء هذا الوطن ولد ونشأ بمدينة طرفية وكانت الظروف المحيطة به وبخاصة المادية غير محفزة لكن بعون الله ثم هزيمته للتحديات حتى نال أعلى الشهادات ووصل إلى أعلى المناصب الإدارية.. وزيراً.
* * *
أتطلع أن يقرأ هذا الكتاب كل شاب ليفيد من هذه السيرة الحافلة والثرية والتي أصدق وصف يمكن أن يطلق عليها أنها قصة «كفاح ونجاح». وقد أرفقها بالصور التوثيقية القديمة والجديدة التي وثق بها معلومات الكتاب وزين بها صفحات كتابه.
* * *
* وبعد
لقد أحسن المؤلف حين تخلى عن تواضعه المعروف به ومنه تردده بإصدار الكتاب بحجة أنه ليس كاتباً ولكنه أثبت بهذا الكتاب قدراته الكتابية.. بجميل العرض.. وأناقة الأسلوب فضلاً عن الثقافة الأدبية الرفيعة الراقية التي تبدت بالطرح الكتابي الجاذب والمشوِّق.