إبراهيم بن سعد الماجد
أعرف أن مقالتي هذه ستتوقف برهة قبل الإجازة.
وأعرف أن أسطرها ثقيلة على المُجيز!
ويعرف هو وكل زملاء الحرف أن من أكتب عنه اليوم في غنى عن كل ذلك، بل لا يحبذه، ولكن ذلك لا يجيز لقلمه الأحمر أن يخرج من غمده ويوقف نشرها، فهذا حق أدبي، تعلّمناه منه، فقد قال لي يومًا عن شخصية ما؛ لا يحق له أن يظلم نفسه بهذه المثالية! وأنا أستغل هذا التصريح لأمارس حقي في الكتابة عن من نحسبه تفرّد وتسيّد فكان الجدير بالحديث، بل الحقيق بالتكريم.
يقول عنه الزميل مثير الأشجان، وباعث الهمة، في الكتابة عن هذه القمة، في مقالته المنشورة في الجزيرة الثقافية:
(قاد «أبو بشار» العملَ الصحفيَّ المؤسسيَّ أكثر من نصف قرن، وما الظنُّ أن أحدًا ماثله في هذا الإنجاز؛ فقد توارى رفاقُ الدرب المخضرمون، وانتحى الجيل الذي تلاه ومن تلاهم، وقدّم المالك - خلال عقودٍ - تجربةً تستحق الدراسة؛ فرئاسته الأولى لتحرير «الجزيرة» كوَّنت بناءً «مكتملًا» رسم عليه اسمَه ووسمَه، وحين عاد إليه - بعد غياب خمسة عشر عامًا- ألفاه «مكتهلًا» فأعاده جديدًا نضِرًا، وإذ تولى رئاسة هيئة الصحفيين فإن مسؤوليته تخطت «الجزيرة» سعيًا لإنقاذ المهنة الصحفيّة التي تحتاجُ إلى عمليةٍ جراحيةٍ كبرى تشبهُ تلك التي رافقت إلغاءَ صحافةِ الأفراد.
** المالك إداريٌ مرنٌ يقظ، يؤمنُ بالتفويض والمساءلة، ومنذ عام 1999م - حين عمل صاحبكم معه مديرًا للتحرير الثقافي - لم يراقبْ موادَه، ولم يتدخل في استكتاباته، ولم يفرض عليه دوامًا محددًا، ولم يُتابعه في عملٍ استبطأه أو يلمْه على آخر استعجله، ومضى كُتّابٌ وجاء سواهم، وانكفأ محررون وحلَّ غيرهم، وظلّ سندًا يشدُّ الأزرَ ولا يُصدرُ الأمر).
قلت: ترافقنا في رحلات خارجية ضمن وفد رسمي لمرات ومرات، فكان رئيسنا الجميل أ. خالد المالك نقطة الارتكاز، موسوعي المعرفة، لا تكاد تطرح عليه اسمًا سياسيًا أو ثقافيًا إلا ويبهرك بكم المعلومات التي يختزنها عن هذا أو ذاك! وهو يحتسي كوب الشاي المفضّل عنده، أو لنقل كوب السكّر، كون أبي بشار يضع من أكياس السكر أضعاف أضعاف المعتاد، أقول وهو يحتسي هذا الكوب تنساب كلماته المعرفية، بهذا الصوت الخافت وكأنه يريد أن تسمع المعلومة لوحدك، فيأسرك بجميل عباراته، ويأخذك لمخزون معلوماته، مما ينسيك نفسك، فتتمنى أن لا تنفض الجلسة، وأن لا يدعو داع إلى قرب الرحيل.
في مقالتي التي سبقت هذه المقالة كتبت عن أهمية كتابة سِير من لهم بصماتهم في كافة مناحي الحياة، ومن المؤكد أن من تحرّر هذه المقالة عنه اليوم، هو الأجدر بهذا، بل إنه مادة إعلامية تدرس، ويكفي كشاهد على ما نقول، ما أحدثه من فراغ بعد استقالته من رئاسة تحرير «الجزيرة» ثم عودته إليها، وكيف كانت الكبوة، وكيف كانت النهضة.
نعيب زماننا دومًا، ونعيب أهله، بعدم إعطاء كل ذي حق حقه، وهو على قيد الحياة، ولا أجد مسوغاً أدبياً ولا شرعياً، لهذا الجفاء، إلا قصر نظر.
قلت: في زمن ملك التاريخ وقارئ السِّير سلمان بن عبدالعزيز.. للسيرة والمسيرة حضور.