أتيتُ في لحظةٍ إلى زاويةٍ من زوايا الفؤادِ فرأيتُ أكوامًا حبيسةً لتلك الزوايا عتى عليها الزمانُ بلياليه.
استدارت من تلك الزاويةِ ذبذبةٍ حنونة الترددِ
محزنة المضمونِ.
جابت محيطي وأخذت بفكري إلى أيامٍ ماضياتِ
استرجعت بي إلى سابقات العمرِ من الأيامِ فطرت علي ليلةٍ سطع بها نورِ القمرِ متوهجاً في صحراء بها أكوامِ الرمالِ كاجبالٍ مُضِيئاتٍ أنسل إليها العديد من خيوط نور القمر وكان يغلبُ على المكانِ السكونِ
ونعيقِ البومِ من أعالي أشجارِ السلمِ المتنحية في أطراف ذلك المكان
تنفستُ بقوةٍ مظهرةٍ ما بداخلي من تكدسات
محاولةٍ طردها إلى خارج صدري لتذهب عني مع ذرات تلك الرمالِ تحملها إلى أطرافِ مدينتي المقدسة لتخبرها عني وعن ما حُمل
لها مع ذرات الهواء من أنفاسي الباهضة الثمنِ!
فهي تحملُ بين ذراتها أسرارٍ ضاق بها محيطي
وتمردت على خلايا تكويني!!!!
فأبيتُ إلا أن أَوْشَى بها إلى ملهمتي
التي لن أبوح إلا لها.
أخبرتها بأن لي عمراً محدداً أخطو إليه كل يومٍ بعد نفحاتِ أنفاسي
وأريدُ منها أن تطوق قلبي بذلك الإكليلِ المقدسِ الذي كان مطمعاً للطامعين.
وأن تهبني ذرةٍ من ذرات روائح أنفاسها
المدخلةَ إلى جوفي الإلهام بعبير ذلك الإكليل.
فتندمجُ روائح أنفاسي بذرات وأكسجين مدينتي حاضنة كلُ جزءٍ من أعضائي
ساترةٍ لكلِ عيب من هفواتي
عاذرةٌ لكل عذرٍ من أعذاري صادقةَ الوعدُ بكتمِ أسرارِ أنفاسي
استشعرت ما أرسلتُ لها مع ذراتِ الهواءِ
وأرسلت إلي بصوتٍ يُحملُ عبر موجات سكونها
قائلةً لا تكترثي. فقد حطت أنفاسكِ بين رفات وذرات أطياني واسترجعتُ ذاكرتي فظهر لي ما كان قبلك من أقوامٍ تركوا عظيم الأثرِ. والألمِ
وخُلد لهم وبهم تواريخ وآياتٍ من القرآنِ
استجمعي قواكِ بالعزيز الجبارِ وخذي الحياة كرسالةٍ فما فاد شاكٍ كثرت شكايتهُ!
هنا استجمعت كامل طاقتي ورأيتُ في كل ما يُحيطُ بي جمال لم أراهُ من قبل كانت أسرابٍ من طيور تُحلق عالياً تُسبحُ بأجملِ الألحاني واهتزت أغصانِ أشجارها والسدر الراسياتِ
قائلة أمضي قُدماً ما سكن هنا إلا ذي عزيمةٍ تنحتُ بقوتها الجبالِ الشاهداتِ
حينها مدت لي كفاً لا يُصافحه إلا من كان حافظاً للعهد ومدركاً لعطايا المعطي الوهاب
رأيتُ حينها عِناقاً بين أرضها والسماءِ مردداً ذلك اللقاء
بُوركتِ أرضاً أنجبتِ الأوفياء باذلين الروح بلا تراجع في سبيل تلك العقيدة القوية
فمني إليكم سلاماً أهل وأصحاب المكان المقدس فالسلامُ ما أطمحُ إليه سلاماً سلاماً.
** **
- نورة عبدالله آل قراد