يعد المصطلح في أي حقل من حقول الحياة أهم ما يكمن أن يواجهه الإنسان، سواء كان فرداً، أو جماعة؛ فبالمصطلح تتبيّن كثيرٌ من الحدود، وتتحدّد الواجبات، كما يعد المصطلح أول ركيزة للفهم، فهو الحد الفاصل بين الشيء وضدِّه، أو أنواعه، كما أنه السياج الذي يُحدّدُ منطلقات الأشياء، لا سيما الأفكار، بوصفها تتصل بالحركة والنمو والتطور الدائم.
وعانى المصطلح النقدي في رحلة تشكّله من عثرات، ومحطات توقف، وضمور، كما مرّ بمرحلة ازدهار، وانتعاش، وكانت الترجمة بابًا من أبواب انبعاثه، وطريقة تشكّله، ومن هنا واجه كثير من الباحثين، والمهتمين بالنقد بله النقاد إشكالات في فهم بعض المصطلحات؛ لأنها نشأت في بيئة مختلفة عن البيئة العربية، وطبقها أصحابها على نصوص توائم أبعادها الفلسفية، وهو ما جعل حقل الدراسات النقدية يرزح تحت وطأة تعدد الترجمات، وتعدد المفاهيم حول منهج، وإجراء واحد.
وسار البحث النقدي طوال عقود في محاولة فهم النظرية النقدية الوافدة التي تتمثل في مناهج نقد ما بعد الحداثة، وأسهب النقاد في محاولة تتبع المصطلح النقديّ من حيث أبعادُه، وطريقة تشكّله، ومحاولة وضع البديل العربي، أو البحث عن جذور لهذه المناهج في تراثنا العربي، وأظن أن كثيرًا من الدراسات الأكاديمية الجادة، واجهت إشكالات في تطبيق النظريّة، ليس لتعدد تعريبها، أو تشعب مصطلحاتها، وإنما في افتقاد الدراسات التي تعاملت معها بوصفها وعيًا، فلا ينتقل التعامل مع المصطلح من كونه حدًّا للمنهج النقدي، إلى كونه فهمًا له.
فتقاطعت كثير من المفاهيم، والمصطلحات، والرؤى، وربما تباينت وهي في منهج واحد؛ لأن التعامل معها كان مقصورًا على وضع الحد، دون التعب في التعامل مع الوعي الذي جاء به، فمثلا: المنهج السيميائي، تتحدث كتبٌ كثيرة عن نشأته، وأبرز أعلامه، وإجراءاته، وما يتصل به من المناهج الحديثة، والحداثية، ولكن لا يجد الباحث كاتبًا تعامل مع السيميائية بوصفها وعيًا يتصل بمفهومنا حول الأشياء، وهو ما يؤكِّده منطلقها الفلسفي في التعامل مع الحياة بوصفها علامة.
فالوعي ربما يكون وعاء يحاول أن يحتوي كل ما جاء به المصطلح النقدي، فيصبح الوجهة الأولى التي يُتعامل معها، ويصبح الوعي بذلك محطة التلقي التي تحوّل مسار البحث من التنظير إلى التطبيق؛ لأن الوعي يسهم في توسيع دائرة الاستيعاب، ودائرة التطبيق، ويضعنا -بوصفنا باحثين- في نطاق التطبيق الذي ينقل تعاملنا مع النصوص الأدبية، من البحث عن كينونة المنهج فيها إلى البحث عن أثر تطبيق المنهج عليها، وهنا يكمن الفرق الكثيف بين التعامل مع المصطلح تنظيرًا، والتعامل معه وعيًا.
** **
- د. سلطان بن محمد الخرعان