- كبرنا في العمر ولم نعد نبحث عن اصدقاء جدد أو حتى عن اشخاص يحبوننا ونحبهم، كبرنا لدرجة أننا نرتدي نفس الملابس لأسبوع وأسبوعين متتاليين دون أن نشعر بالحرج، كبرنا لدرجة أننا اصبحنا نخاف من المجهول بلا مبرر، توقفنا عن مناقشة أحد حتى وإن كنا على صواب، فأصبحنا نترك الأيام تثبت صحة وجهة نظرنا، كبرنا ولم نعد نتحدث مع احد عما يحدث معنا ولا عما يؤلمنا، وصرنا نداوي جراحنا بأنفسنا، كبرنا وصرنا نفرح بصمت ونبكي بصمت ونضحك بابتسامة، لم نعد نهتم بنوع الهاتف الذي نملكه ولا نوع السيارة أو رقمها، ولم نعد نتأثر بمعسول الكلام ولم نعد نستهزئ بالغير بل صرنا نقول: (الله يعين الناس) كبرنا وعرفنا أن المظاهر خداعة وتعلمنا أنه ليس كل ما يلمع ذهباً، صرنا نعرف من يضحك علينا بل ونتركه يصدق نفسه بأنه استغفلنا، صرنا نعرف متى نسامح ولا ننتقم ومتى نتغابى ومتى (نعديها) تعلمنا ألا ننتظر أي شيء من احد ولا نتأمل بأحد، بل تعلمنا كيف نكتفي بأنفسنا، تعلمنا متى نثق وبمن نثق ولا نبحث عن سبب تلك الثقة، كبرنا ونحن من جيل الستينات الميلادي، بعضنا في رأسه عشر (فلقات) التأمت من نفسها! عشنا مع امراض وشفانا الله منها، جيل عندما تطأ قدم احدنا مسماراً يستخرجه بيده ويفرك قدمه بالتراب للتعقيم وسرعة الالتئام، اكل بعضنا انواع الطيور والجراد و(عكرة الضب والجرابيع) كان بعضنا ينام واللبان في فمه ويصحو وهو لاصق في شعره، وأنا من هذا الجيل كانت والدتي تقص شعر راسي اللاصق به اللبان أو يحلقون شعري (صلعة) كنت اتنفس الفليت وأنا متعلق بسيارة الفليت مع اصدقاء المرحلة والمرجلة والسائق لا يعلم، كنت آكل كل انواع نباتات البر واشرب الماء من (الغضارة) بعد ضيوف والدي رحمه الله، كنت اضع على رأسي قطعة كرتون او خيشة وامشي في المطر والشمس، وإذا رجعت للبيت بعد لعب الكرة ولوني اشهب وصدري كله تراب ورموشي شهباء، أُضرب من احد الوالدين ومن أبي أكثر.
جيل لم يكن عنده ماكدونالد ولا هرفي ولا بيتزا، لم يسمع كلمة الدلع (أوكيه) ولم يشرب كوفي (لاتيه) بدعوى التمدن، يسموننا جيل الطيبين، أمدنا الله بالصحة والعافية وأطال في اعمارنا على طاعته.
- تدوينة: لم يتبق مساحة لأكتب عن مسرحنا الذي لم يكبر معنا، فبقي العنوان (كبرنا ولم يكبر المسرح) فارغاً من المحتوى، فعذراً لمن قرأ المقال، فقد كبرنا وكبرت معنا الزهمرة!.
** **
- مشعل الرشيد