لقد سرني الأخ الشيخ عثمان بن عبدالعزيز العسكر إذ قصد جزاه الله خيراً زيارتي بمنزلي في جلاجل قبل مدة, وأتحفني بكتابه الذي كان متطلباً لدرجة الماجستر من معهد بحوث ودراسات العالم الإسلامي في جامعة أم درمان الإسلامية, عن صاحبنا وصديقنا وبلديِّنا وحبيبنا وزميلنا الشيخ النبيه الفرضي القاضي محمد بن عبدالكريم بن سليمان رحمه الله رحمة واسعة, بعنوان (سيرة الشيخ القاضي محمد بن سليمان وفوائد من مجالسه وأقضيته). والشيخ أهلٌ أن يترجم له, فقد صحبته حضراً وسفراً سنين طويلة, وعرفتُ شؤونه, واطلعتُ على تفاصيل حياته ونشأته, فقد كنا زملاء عند شيخنا وأستاذنا الورع الفاضل فوزان القديري رحمه الله قبل أكثر من سبعين سنة, وقد كفَّ بصر الشيخ محمد عام 1359هـ, واستمرت صحبتي له ما شاء الله من العقود.
لكن وقع نظري في الكتاب على أحداث وقصص أحب أن ألفت نظر القارئ الكريم إليها, كما أضيف عليها, فأقول مستعيناً بالله:
1- إن صاحبنا الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله لم يذهب إلى المجمعة للدراسة عند شيخنا العلامة عبدالله العنقري رحمه الله, ولا عند غيره, ويدل على ذلك أمور:
أولها: إنه قد كُفَّ بصره في السنة التي ذُكِرَ في الكتاب أنه قد ذهب فيها إلى المجمعة, ومن المعلوم أن الكفيف يحتاج إلى من يقوم على شؤونه, لا سيما مع قرب إصابته في ذهاب نور عينيه, وحداثة سنه.
ثانيها: إني قد قدمتُ إلى المجمعة في أوائل عام 1360هـ, والشيخ محمد وكاتب هذا المقال زملاء وأصحاب ومن أهل بلد واحد, فلو كان في المجمعة كنتُ قد التقيت به, وصاحبته, لاسيما مع كثرة لقائي بشيخنا العلامة عبد الله العنقري رحمه الله, وحضوري لدرس سماحة الشيخ عبدالله بن حميد رحمه الله حين كان بالمجمعة, والذي أنا ضيف في بيته مدة من الزمن بناء على دعوته لي رحمه الله.
ثالثها: إن والدي الشيخ أحمد رحمه الله رحمة واسعة كان من أخص تلاميذ العنقري رحمه الله ورفع درجته, فكانت علاقتي بالشيخ العنقري وثيقة لقرب والدي منه, ولم أكن تلك الفترة التي أدركتُ فيها الشيخ العنقري أرى فيها الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله حاضراً عند الشيخ العنقري في المجمعة لا في مجلسه ولا في بيته.
رابعها: أين منزل الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله في المجمعة؟ وما الإيوان الذي مكث فيه تلك الفترة؟ ومن كان يقوده ويذهب به؟ ومن كان يقوم بشؤونه؟ كل هذه الأسئلة تورث دفعاً لدعوى ذهابه إلى المجمعة, لاسيما أنه لا يوجد في المجمعة بيوت ولا أوقاف على طلبة العلم الغرباء.
وقول الشيخ محمد بن سليمان عن الشيخ العنقري رحمه الله شيخنا, فلا شك أن الشيخ عبدالله كان شيخاً لأهل سدير عامة ومحل تقديرهم, وكانوا يقولون: قال شيخنا العنقري, حتى من أناس لم يدرسوا عليه.
2- إن صاحبنا الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله لما انتقل إلى الرياض من جلاجل كان قاصداً الدراسة على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله شأنه شأن كثير من طلاب العلم, وكان سكنه مع طلبة علم صغار آخرين أنا أحدهم, ومعنا في السكن نفسه طالب العلم الكبير الشيخ الفاضل إبراهيم بن أحمد النغيمش رحمه الله في وقف الإمام عبدالرحمن الفيصل رحمه الله على شارع دخنة القديم, والتحق الشيخ ابن سليمان بسمو الأميرة حصة بنت الملك عبدالعزيز أم سمو الأمير خالد بن سعود بن محمد آل سعود رحمها الله, فكان يؤم في منزلها في الوسيطاء بالرياض خاصة في رمضان, وكنتُ أنا الذي أذهب به إلى قصرها, فهو الذي كان يؤم في منزلها قبل توليه القضاء.
3- منَّ الله علي وعلى الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله بالحج سنة 1364هـ في صحبة الملك عبدالعزيز رحمه الله, ولما نزلت الأميرة حصة بنت عبدالعزيز رحمها الله في بيت الألفي بالقراقرة, نزلنا ببيت شعبي أمامه على نفقتها, فكنتُ حينها أنزل إلى الحرم, وقد قرأتُ على الشيخ سعد وقاص رحمه الله وكان معي الشيخ عبدالله الخليفة رحمه الله, ولا أذكر البتة أن الشيخ محمداً قرأ عليه؛ إذ كنتُ أنا الذي أذهب به وأقوده, وأنا المرافق له في تحركاته, فنفيي ذلك مَدْرَكُه ومستنده العلم لا مجرد عدم العلم.
4- احتاج الشيخ محمد السفر إلى مصر للعلاج, فكنتُ عصاه التي يمشي بها, ولسفرنا قصة مع الوجيه محمد الجميح رحمه الله, وكذلك لقائنا مع الأمير مشعل بن عبدالعزيز رحمه الله وتوجيهه لإبراهيم الطاسان حتى نتمكن من السفر, وحتى تكون قيمة تذكرة السفر على النصف؛ إذ كنا طلاباً حينها, وكان هو وزير الدفاع والطيران, فسافرنا سنة 1374هـ على نفقتنا, وكانت النفقة يسيرة, فنزلنا في فندق في القاهرة ليلتين ثم انتقلنا إلى لوكندة اسمها «كلاريج» نُزُل أقل رتبة من الفندق, ثم انتقلنا إلى شقة في حي الزمالك مشاركة مع رجل من عوائل مكة, نغدو إلى العيادة المقصودة على أقدامنا؛ لقربها من نُزُلنا, وكان الطبيب الذي يتعالج عنده الشيخ محمد بن سليمان اسمه «فهمي فهجر», فمكثنا أكثر من شهرين, لم يكن للشيخ محمد مرافق غيري, ولم نتلق بأحد من أهل العلم ولا طلابه, ولم نذهب إلى الأزهر, ولم نقابل الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد بل كان هدفنا واضحاً ومقصوداً ووحيداً, فما ورد في الكتاب المؤلَّف عن الشيخ رحمه الله خطأ.
5- ذكر المؤلف الشيخ العسكر مسألة تقبيل الرأس, وجعلها سجدة صغرى ولم أستحسن منه -وفقه الله- إقرارها ونقلها في كتابه فضلاً نشرها, فقد كان الشيخ محمد بن سليمان يُقبَّل رأسه كثيراً, فهي توقير وتقدير للكبير, فوصفها بالسجدة الصغرى فيه مبالغة زائدة.
هذا بعض ما تيسر ذكره, والإشارة إليه كتبتها براءة للذمة وتقديراً لزميلي ولصديقي الشيخ محمد بن سليمان رحمه الله, فآمل من المؤلف الشيخ عثمان العسكر وفقه الله لكل خير أن يستدرك ذلك في طبعة أخرى تقييداً للعلم على وجه, وتثبيتاً للحوادث كما وقعت إن رأى ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
** **
- عبدالعزيز بن أحمد السلمان