د.جيرار ديب
قال الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمة مساء الخميس 20-5-2021، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغه أنّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية قد بدأ تنفيذه.
إذًا انتهت حرب غزة، واحتفل الجميع بالانتصار، وعلت صيحات التهليل والتحليل وعرض وقائع النصر عند كلا الطرفين المتقاتلين، وقد حان الآن وقت الاستدارة نحو الداخل للاستثمار بعد قتال دام لأيام حيث انتفضت فلسطين على محتلّها، وقصف العدو بشراسة غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية.
صحيح أنّ معركة غزة شهدت تسارعًا في كسب نتائج ميدانية عند الإسرائيلي كي يستطيع نتنياهو تقديم نفسه كرئيس من صفوف رؤساء مرّوا على إسرائيل وتركوا بصماتهم الدموية، على مثال مناحيم بيغن، أو أرييل شارون أو غيرهما. نتنياهو المتعثر سياسيًا في الداخل الإسرائيلي، سيما بعدما رفض غالبية الأحزاب التحالف معه، تعالت الأصوات المنادية للإطاحة به.
بعد فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، اختار الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، سياسيًا وسطيًا للقيام بالمهمة، وهو «يائير لابيد» خصم نتنياهو. هذا ما دفع بالأخير ليختار الطريقة التقليدية عند الرؤساء السابقين، وهي محاولة تسجيل انتصار ميداني في حربهم ضد الفلسطينيين أو حتى حزب الله في لبنان. كان هذا خيار نتنياهو مع حركة حماس في قطاع غزة؛ ولكن أي انتصار سيحاكي به قاعدته الشعبية أو الجمهور الإسرائيلي كي يعيد الثقة إليهم، وتُعاد تسميته لتشكيل حكومته؟
يواجه نتنياهو مشاكل محاكمة أمام القضاء بتهم الفساد، فقد أمره القضاء بالمثول أمام المحكمة لحضور المرافعة الافتتاحية لممثل الادعاء في القضايا الثلاث المتهم فيها بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. إذًا، نتنياهو المكتئب سياسيًا وقضائيًا لن يستطيع الخروج من معركته الأخيرة مع الفلسطينيين بانتصارات حتى وهمية، من شأنها إحداث صدمة قد تكون إيجابية له وتنقذ ما تبقى من حياته السياسية والمدنية من أزمات ستلاحقه حتمًا.
لكن ماذا عن جانب الفصائل الفلسطينية، فهل حققت الانتصار المزعوم؟
في قانون الحرب بين فصيل ودولة، تعلن الدولة انتصارها عندما تقضي نهائيًا على هذا الفصيل؛ أما إن لم تتمكّن من ذلك، فسيكون النصر حليف الفصيل حتى لو بقي مقاتل واحد يقاتل. هذا ما حدث في حرب غزة عندما قامت الفصائل بالرد عبر رشقات صاروخية على غلاف غزة، بعد أن أغارت إسرائيل آخر غاراتها على القطاع. وذلك في دلالة واضحة على أنها لم تزل على جهوزيتها للقتال مع الإسرائيلي طالما استمر بالاعتداء. بغض النظر عن الخسائر في الأرواح والعتاد والممتلكات، حيث سقط أكثر من 233 شهيدًا وآلاف الجرحى، إضافة إلى تقدير الخسائر في غزة بأكثر من 8 مليارات دولار، فالفصائل قادرة على الاحتفال بالنصر! كيف لا وقد صرح الصحفي الإسرائيلي ألموج بوكر مستغربًا، بأنه لأمر مدهش جدًا أنّ الغلاف مستهدف منذ ساعة ونحن لا نستجيب وننتظر الساعة 2 موعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
الفصائل الفلسطينية لا تمثل ذاتها في القتال الدائر، فهي في محور أطلق على نفسه محور الممانعة أو المقاومة، المدعوم من الجمهورية الإسلامية في إيران. هذا المحور الذي يعمل على تثبيت ذاته ليس فقط في غزة، بل في مختلف الدول العربية، من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان وصولًا إلى غزة في فلسطين. لهذا، كانت التبريكات بالنصر تصدح من قبل زعماء ومسؤولي هذا المحور الذي سيستثمر انتصار غزة في أكثر من ملف، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، الذي صرَّح بخصوصه الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأنّ رفع العقوبات النفطية عن إيران هو أول إنجاز في هذا الملف. فهل من باب الصدفة أن ترفع العقوبات في وقت التمهيد لإعلان وقف النار في غزة؟
بعيدًا عن الميدان العسكري، فقد تبادل الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي بايدن، التهنئة بإنجاح مسار التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. كما قال التلفزيون المصري إنّ الرئيس عبد الفتاح السيسي أمر بإرسال وفدين أمنيين إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية للعمل على تثبيت الهدنة بينهما.
هذا الانتصار في السياسة، يسجل للدور المصري الذي أراد الأميركي منه توجيه رسالة لتركيا التي حاول رئيسها رجب طيب أردوغان رفع الصوت عاليًا، كي يظهر بمنزلة المدافع عن قضايا العرب والمسلمين دون التوصل إلى أي حلول جديّة. كما يسجل إنجازًا هو الأول في الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، وإظهار سياسة السلام كمنهجية يحارب فيها ألدّ أعداء الولايات المتحدة، روسيا والصين، في ظلّ تفاقم الإعلام الغربي حول التهديد للسلام العالمي الذي يتّبعانه كلاهما، في قمع الحريات والاعتداءات على سيادة الدول.
أخيرًا، سيعلن الجميع الانتصار بعيدًا عن الأرقام والحقائق، وستكون الهدنة هشة إلى حين يتجدد القتال بين الطرفين، لأنّ الموضوع ليس تسجيل نقاط بقدر ما هي معركة يتداخل فيها الوجود الحقيقي والنوازع الدينية والإثنية بين فريقين لا يجمع بينهما سوى عدم الاعتراف بالآخر.