د. عبدالحق عزوزي
ذكرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنها لن تعود مجددا إلى معاهدة الأجواء المفتوحة التي انسحب منها الرئيس السابق دونالد ترامب، تحت ذريعة انتهاك روسيا للاتفاقية الدولية. ويأتي هذا القرار لإظهار بايدن حزمة في مواجهة روسيا بعد خطوات عدة تُظهر انفتاحاً ورجوعاً إلى معاهدات دولية كانت الإدارة الأمريكية السابقة قد انسحبت منها.
فمنذ وصوله إلى عرش البيت الأبيض، في كانون الثاني/ يناير، سارع الرئيس الديموقراطي إلى العودة إلى بعض الاتفاقيات والمؤسسات الدولية، ومن بينها اتفاقية باريس حول المناخ ومنظمة الصحة العالمية، وكذلك إلى المفاوضات الصعبة للعودة إلى الاتفاق حول النووي الإيراني.
فنحن نعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن اتفاقية باريس حول المناخ أواخر العام الماضي بناءً على أوامر الرئيس السابق دونالد ترامب؛ وأمضى هذا الأخير معظم وقته في المنصب في إضعاف العديد من حواجز الحماية البيئية والمناخية في البلاد. ولكن الإدارة الحالية ترى أن هاته الاتفاقية هي إطار عمل غير مسبوق للعمل العالمي. والغرض منه بسيط وواسع: مساعدة الجميع على تجنب الاحترار الكوكبي الكارثي وبناء المرونة في جميع أنحاء العالم تجاه تأثيرات تغير المناخ التي نراها بالفعل... ولذا أضحت التهديدات الناجمة عن تغير المناخ في قلب أولويات السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة...
كما عادت أمريكا إلى المنظمة العالمية للصحة، وتسهم الآن في الجهود الرامية لتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، وعلاجاته وتشخيصه حول العالم؛ كما أنها تقوم حاليا بتمويل وتوفير الدعم البشري والوفاء بالالتزامات المالية الخاصة بواشنطن حيال المنظمة الدولية؛ وللذكر فإن إدارة ترامب السابقة كانت قد اتخذت قرارها بالانسحاب من المنظمة بعد اتهامها بالانحياز للصين، كما دأب ترامب على انتقاد استجابة المنظمة للجائحة التي كانت الولايات المتحدة أكثر المتضررين منها.
كما أن أمريكا تسعى اليوم إلى إحياء الاتفاق النووي الذي كان قد أبرمته إيران مع قوى دولية، وانسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سنة 2018.
المهم، فإنه لأول مرة يتبنى الرئيس الأمريكي خط الانسحاب تماشيا مع قرار سلفه، وأعني بذلك الخروج من معاهدة الأجواء المفتوحة.
واتفاقية الأجواء المفتوحة أو السماوات المفتوحة (Treaty on Open Skies) هي معاهدة تم إقرارها في عام 1992، من قبل 27 دولة، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في أول يناير 2002، وتضم حاليًا 34 دولة... وتسمح الاتفاقية بوجود طائرات مراقبة غير مسلحة للاستكشاف في أجواء الدول المشتركة؛ وتهدف الاتفاقية بالخصوص إلى تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء جميع المشتركين بها دورًا مباشرًا في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها؛ لكن روسيا قيّدت الرحلات فوق مناطق بعينها، وهو ما جعل واشنطن تعتقد أن موسكو تنشر في هذه المناطق أسلحة نووية متوسطة المدى تهدد أوروبا، لتعلن واشنطن يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنها لم تعد منذ ذلك التاريخ طرفًا في معاهدة الأجواء المفتوحة، ولتعلن بعد ذلك موسكو منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي أنها ستنسحب من المعاهدة.
ومع الانسحاب من معاهدة «الأجواء المفتوحة»، تصبح معاهدة نيو ستارت الاتفاق الكبير الوحيد في مجال الأمن الذي لا يزال سارياً بين القوتين النوويتين الأمريكية والروسية.
ومعاهدة نيو ستارت تشير إلى اتفاقية أبرمت في أبريل/ نيسان 2010 بين الرئيسين السابقين، الأمريكي باراك أوباما، والروسي ديمتري ميدفيديف تهدف إلى تخفيض الحدود القصوى للرؤوس الحربية الهجومية الاستراتيجية (عابرة للقارات) للبلدين بنسبة 30 في المائة، والحدود القصوى لآليات الإطلاق بنسبة50 في المائة.
هذا الكلام يوحي إلينا أن أمريكا تتبنى أجزاء كبيرة من الإرث الدبلوماسي الأوبامي، خاصة وأن جل الذين يزيد عمرهم على خمسين سنة اشتغلوا في إدارة أوباما السابقة، بما فيهم أنتوني بلينكن، وزير الخارجية والقريب من بايدن وهو من المؤيدين للتعاون متعدد الأطراف في إطار المنظمات الدولية... وقد انتقد مرارا انعزالية وأحادية إدارة ترامب... كما أن الرئيس بايدن رغم أنه يُبدي حزماً كبيراً حيال روسيا ردًا على أنشطة موسكو التي يعتبرها «مؤذية» (تدخل في الانتخابات وهجمات إلكترونية وانتشار عسكري على الحدود الأوكرانية وتوقيف المعارض أليكسي نافالني)، إلا أنه لا مفر في أن يسعى إلى التوصل إلى أرضية تفاهم حول المسائل المرتبطة بالأمن الدولي.