أ.د.عثمان بن صالح العامر
تصف (تالي شارون) التفاؤل بأنه عبارة عن (وهم ذهني)، وتذكر عن نفسها بأنها عكفت هي وفريق بحثي متخصص على دراسته في مختبرها الخاص خلال السنوات القليلة الماضية، واتضح أن 80 % من البشر يميلون للتفاؤل في حياتهم الخاصة، فنحن الجنس البشري عموماً -حسب ما انتهت إليه- متفائلون أكثر مما نحن واقعيون، ولكننا غافلون عن الحقيقة.
وعلى هذا فالميل للتفاؤل ظاهرة عالمية لوحظت في عدة دول مختلفة، في ثقافات غربية وغير غربية، في الإناث والذكور، في الصغار والكبار، إنه جد منتشر.
ولكن السؤال الذي يُطرح، هل التفاؤل في صالحنا؟
بعض الناس يقولون لا، فسر السعادة يكمن في التوقعات المتواضعة.
وهذه في نظر (شارون) نظرية خاطئة لثلاثة أسباب:
أولاً: بغض النظر عمّا يحصل، سواء نجحت أم أخفقت، أصحاب التوقعات العالية هم أكثر ارتياحاً. لأن ما نشعر به يعتمد على كيفية تفسيرنا لذلك الحدث.
عالما النفس (مارجريت مارشال) و(جون براون) درسا طُلاباً ذوي توقعات عالية ومنخفضة. فوجدا أنه عندما ينجح أصحاب التوقعات العالية، فإنهم ينسبون ذلك النجاح إلى صفاتهم الفردية. (أنا عبقري)، لذلك حصلت على درجة التميّز، ولذلك سأحصل عليها مرات ومرات أخرى مستقبلاً، وعندما يخفقون لم يكن ذلك لأنهم كانوا أغبياء، بل فقط لأن الاختبار كان غير عادل. في المرة القادمة سيكون أداؤهم أفضل. في المقابل أصحاب التوقعات المنخفضة يفعلون العكس. إذا أخفقوا كان ذلك بسبب غبائهم وعندما نجحوا كان ذلك لأنه تصادف وكان الاختبار سهلاً. في المرة القادمة سيستدركهم الواقع، ولذلك يستاء شعورهم.
ثانياً، بغض النظر عن المآل، مجرد الترقّب يجعلنا سعداء، فالمتفائلون هم أناس يترقبون القادم ويدعم ذلك الاستباق راحتهم النفسية.
ثالثاً: من دون الميل للتفاؤل، قد يعترينا شيء من الإحباط. الأشخاص الذين لديهم إحباط معتدل، ليس لديهم أيّ ميل عندما ينظرون إلى المستقبل. هم أشخاص واقعيون أكثر منهم ذوي سلوك صحّي. لكن الأشخاص الذين لديهم إحباط شديد يميلون لتوقع مستقبلٍ أسوأ مما سيحصل في نهاية المطاف. فالتشاؤم يغيّر الواقع الذاتي لديهم لأسوأ مما هو عليه في الحقيقة. إذ إن الطريقة التي نتوقّع أن يكون عليها العالم تُغيّر الزاوية التي نراه بها. إنها تغيِّر الواقع الموضوعي. تعمل وكأنها رؤيا قد تحققت فعلاً وهي لا وجود لها إلا في ذهنية هذا المتشائم السوداوي الحزين.
لقد بيّنت التجارب المخبرية المتحكّم فيها بأن التفاؤل لا يرتبط فقط بالنجاح، بل إنه هو من يقود إليه. نعم يقود التفاؤل نحو النجاح في الميدان الأكاديمي والرياضي والسياسي والاقتصادي والإداري والاجتماعي و... وقد تكون الفائدة الأكثر مفاجأة للنجاح هي الصحة. إذ إن توقعنا أن يكون المستقبل برّاقاً، يقلِّل التوتر والقلق لدينا، ولذا فإن كان هناك من نصيحة فهي بإيجاز (تفاءلوا.. تفاءلوا.. تفاءلوا فالقادم أفضل وغداً أجمل بإذن الله، وتوكلوا على الله، (ومن توكل على الله كفاه) دمتم بخير وتقبلوا صادق الود وإلى لقاء والسلام.