الهادي التليلي
أحياناً يستبد التوحش بالكائن البشري الذي لم يتعلم شيئاً من جائحة كورونا ومشتقاتها بل تمادى في تجسيد مقولة الفيلسوف هوبز الإنسان ذئب أخيه الإنسان. فالشعب الفلسطيني الذي أرى أن نكبته من قياداته أكثر من شيء آخر عانى في نهاية رمضان في البداية من التهجير القسري وبعد ذلك من التقتيل وهدم البنية الأساسية وكان هذا مؤلماً لجميع الشعوب التي شاهدت سواء عبر وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي فظاعة ما جرى وهول ما وقع
مع توقف القتال والهدنة التي أجبرت عليها إسرائيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من موسمها السياحي وتفادياً لنتائج لم تقرأ لها حساباً وتوقف القصف الإسرائيلي الذي دك غزة دكاً في حرب يرى الجميع أنها مجرد ورقة من مفاوضات الغرب مع إيران بخصوص ملفها النووي من خلال ذراعها حماس. انتهت الحرب الصغرى ودخل العالم غوغاء الحرب الكبرى التي هي إعادة الإعمار وهي حرب صعبة لا لغياب توفر الملاءة المالية فقلوب الخيرين سماء تتسع لكل الفلسطينيين مهما أنكر بعض القيادات الفلسطينية ذلك وإنما لتحولها إلى حرب أكثر ضراوة فلم يعد المهم أولويات التعمير وإنما من يستلم المساعدات قصد التعمير وهنا لا أعني فقط الأطراف الفلسطينية بل عدداً من الأطراف الإقليمية والدولية فمنها من يريد تنفيذ المشاريع ويريد حلب البقرة الميتة دون حياء ومنهم من ينصب نفسه القناة المعمدة للتوزيع ومنهم من يريد أشياء أخرى.
الناس في العراء بلا بيوت والمجتمع العالمي الذي كان إما شاهد زور بالصمت القاتل أو شريكاً بتشريع جرائم إسرائيل والبعض الآخر الذي خاض معركة بالوكالة عن بعض الدول الإقليمية على حساب أبناء غزة الذين في كل يوم يموتون قهراً يوهم العالم بأنه الأحق بالنطق عن الشعب الفلسطيني.
هوبز كأنه بيننا ونحن نرى ونشاهد العالم ينهش الجثة الفلسطينية لغايات لا ناقة لها ولا جمل فيها فالأونروا تعلم جيداً أنها جزء من المشكلة والأمم المتحدة ومن وراءها تعي جيداً أنها لا تملك مفاتيح الحل والمواطن وحده يعلم أن قتلته ليسوا بعيدين عنه إنهم يتجولون في طائرات خاصة ويحتفلون بأعياد ميلادهم بين السماء والأرض بأموال هذا الشعب وباسم قضيته ويضعون بين الفينة والأخرى أيديهم على لحاهم ويبغبغون بمصطلحات ثورية كاذبة
ليسوا وحدهم فكذلك كورونا لم ترحم هذا الشعب والغرب نكبه بمستعمر أزلي وقياداته المدنية حملت سكاكين طعنه وإيران وإسرائيل تقاتلتا على جثته وأقرباء وبعيدون سمسروا وطمعوا في معونات إعادة إعماره وركبوا على هدنته وقبضوا ثمناً عالي القيمة من الدولة عالية المقام بمجرد التحقق المبدئي للهدنة ومن اجتهدوا بصدق في حل المشكلة محيت أسماؤهم من قائمة الفاعلين لأن كرسي الناجحين يتسع لواحد فقط.
فبأي كلمات سيكتب التاريخ هذه المرحلة وإلى متى سيبقى هذا النظام العالمي المتقادم والمتآكل الذي ينخر قيمه الصدأ وإلى متى آلة صناعة الألم متمادية والتاريخ لا يرحم وتلك حكمة المجتمعات التي غلب الجشع البراغماتي سياستها في التعامل مع آلام الشعوب.