د. محمد بن إبراهيم الملحم
في عملية إدارة التعليم، لا يجب أن تقول عن شيء إنه صواب محض أو خطأ محض، فهي اجتهادات بحسب الظرف التعليمي، وقد أعلنت الوزارة موافقة مجلس الوزراء الموقر على مقترحها للفصول الدراسية الثلاثة كإجراء تطويري للخطة الدراسية ضمن مبادراتها في تحقيق رؤية المملكة الطموحة 2030، كان المبرر وراء ذلك هو «زيادة أيام الدراسة» وذلك لأجل «زيادة» محتوى بعض المواد واستحداث مواد جديدة، ولا شك أن التطوير في المواد مطلوب، ولكن المحير جداً أن هناك شكوى مستمرة من مبالغات في طول بعض المواد (العلوم الرياضيات في المرحلة الثانوية كمثال) وعدم توفير مساحة زمنية كافية للتدريس الإبداعي فيها، مما يضطر المعلم أن يستمر في أسلوب الإلقاء التقليدي، ولكن هذه الشكوى لا يستمع إليها بل لا تطرح للنقاش، وفي المقابل تستحدث مواد موضوعاتها في الأصل لا تصلح أن تكون مادة دراسية قائمة بذاتها، ومن هذا النوع مادة «التفكير الناقد» مثلا والمقترحة مؤخراً، والتي تذكرني بفكرة مادة التربية الوطنية والتي يخشى أحد أن يتكلم عنها بسوء حتى لا يتهم في وطنيته، وحفظ الله الزميل الفاضل والكاتب المبدع الدكتور زياد الدريس عندما عنون لكتابه الجميل في هذا الشأن بعنوان «لا إكراه في الوطنية» وأكتفي بالعنوان هنا.. لأقول إن الوطنية قيمة Value لا يزرعها معلم واحد تسند له في مادة محددة، بل هي مسئولية مشتركة يقوم بها كل معلم من خلال مادته، سواء نص محتوى مادته على هذه القيمة بصورة أو بأخرى أو لم ينص، ومع ذلك فإن من واجبات إدارة المناهج أن تعمل بذكاء في إيجاد محتوى مناسب لكل مادة تدمجه في موضوعين أو ثلاثة من موضوعاتها ويدرب عليها «جميع» المعلمين ليبث من خلاله «كل منهم» قيمة الوطنية في نفوس الطلاب (والطالبات)، والأمر نفسه يقال عن التفكير الناقد، فهو مهارة Skill وهو أيضا قيمة Value يجب أن يؤمن بها المتعلم ليتدرب ويمتلك مهاراتها ويغدو قادراً على نقد أية فكرة أو معلومة أو توجه ويعرف كيف يطرح الأسئلة الصحيحة والمناسبة في الوقت المناسب، ولكن تطبيقات هذا التفكير «الناقد» في العلوم والرياضيات مثلاً تختلف عنها في التاريخ أو الدين، وتختلف عنها في اللغة، وتختلف عنها أيضاً في التربية الفنية وهكذا.. وبالتالي فإن جمع ذلك كله في مادة واحدة هو مكون عسر الهضم أو هو خديج غير مكتمل الولادة!
خلاصة القول إن زيادة المحتوى أو المواد الجديدة ليس هو ما سيحسن جودة تعليمنا، ابحث عن المعلم.. ابحث عن التعلم.. هذه القواعد الذهبية لم تعد سراً خافياً ولا ينبغي أن تتجاوزها جهود التطوير إلى غيرها، إلا إذا كان غيرها في خدمتها، ومن هذا القبيل موضوع الفصول الثلاثة، فمع أني من مؤيدي هذا النظام، بل إني دعوت إليه منذ عام 2017 وأشرت إلى ذلك في مقالتي هنا قبل أسبوعين، إلا أني أرى أن الطريقة التي قدم بها النظام، جلبت نقمة المعلمين عليه، بدلاً من ترحيبهم، فهو يحمل معه «زيادة» في الكم التدريسي، كما حرمهم من الإجازة بين الفصلين والتي كانت أسبوعين، فأصبحت أسبوعاً واحداً فقط! فماذا يكفي أسبوع واحد ليسافر متغرب من شمال المملكة إلى جنوبها أو شرقها؟ وماذا يكفي لأسرة كبيرة (وهو حال أغلب الأسر السعودية) لتنتقل بالسيارة في مملكتنا الكبيرة من مكان إلى آخر للنزهة والسياحة؟ عندما طالبت بثلاثة فصول، كنت أشدد على هذه النقطة تحديداً، وهي أن يكون بين كل فصلين أسبوعين، وليتحقق ذلك فلا بأس أن يؤخذ أسبوعان من العطلة الصيفية الطويلة جداً ليحقق هذا الهدف، في الخطة الحالية تم عصر العطلة الصيفية ليتبقى منها رمق أخير، ووزعت ثروتها على أيام وأسابيع وسط الفصول الدراسية! وهذه أزمة أخرى أيضاً في هذا النموذج، فكيف سيستقر حال التدريس ويستمر اندفاع طاقة العمل والطالب يدرس ويؤجز يدرس ويؤجز، وحتى لا أبالغ هنا فإن إجازات نهاية الأسبوع المطولة لا بأس بها ولكن إجازة أسبوع كامل منتصف الفصل الدراسي لها انعكاساتها السلبية الواضحة على جدية الدراسة، خاصة في ظل قصر فترة الفصل الدراسي حالياً مقارنة بسابقه.