الشريف عبدالرحيم حماد
اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في القدس وأرضه ومقدراته وممتلكاته منذ بداية شهر رمضان المبارك المنقضي، من خلال اعتداءاتها المبرمجة وغير المبررة والمنافية للقانون الدولي والإنساني ولكل المواثيق والأعراف الدولية، الهادفة إلى النيل من صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وإجباره على تركها لفلول المستوطنين القادمين إليها من شتى دول العالم، وعدم إتاحة الفرصة له بالشعور بالاستقرار والأمن. مستغلة سلطات الاحتلال الصهيوني الصمت الدولي لتواصل إلحاق الأذى بالفلسطينيين والتنكيل بهم ومحاولة إنهاء الهوية الفلسطينية.
إن التنامي غير العقلاني لفكرة دولة يهودية فقط وإنهاء الهوية الفلسطينية العربية حول الدولة العبرية، القوية عسكرياً والمدعومة اقتصادياً وسياسياً من مراكز القوة الغربية الأساسية، إلى آلة تحطيم منهجي لكل ما يشكل عنصر إعاقة أو موضوع اختلاف وتشكيك بالمشروع الإيديولوجي الصهيوني. الأمر الذي ينتهي بالاستعمال المفرط لتعبيرات القوة المختلفة وتوظيف مؤسسات الدولة جميعها لهذا المشروع الإجرامي.
وجاءت المواجهات الأخيرة على خلفية محاولة السلطات الإسرائيلية إخلاء حي الشيخ جراح من عائلات فلسطينية تقطنه منذ أجيال، وتضييق الخناق على المصلين في المسجد الأقصى منذ بدء شهر رمضان المبارك.
تواصلت الاشتباكات بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية تزامناً مع إحياء الفلسطينيين ذكرى نكبة عام 1948 في 15 أيار - مايو من كل عام. وعلى الرغم من ذلك، حاول الفلسطينيون إثبات وجودهم من خلال رسم جداريات وسط تواصل المواجهات والاعتقالات ومداهمة المنازل مع القوات الإسرائيلية.
فيما تظاهر الآلاف في عدد من المدن الأوروبية والأمريكية والعربية دعماً للفلسطينيين في ظل استمرار التصعيد مع القوات الإسرائيلية في قطاع غزة. وردد المتظاهرون هتافات تناشد بـ»تحرير فلسطين» ووقف العنف.
وفتحت أعمال العنف جبهة جديدة بتأجيج التوتر بين اليهود الإسرائيليين والأقلية العربية التي تشكل 21 في المئة من السكان وتعيش جنباً إلى جنب معهم في بعض الأحياء.
وتزايدت هجمات اليهود على مارة من العرب في مناطق مختلطة في إسرائيل.
وشكلت المطامح السياسية الصهيونية في حد ذاتها ضامناً لانتهاك الحقوق للفلسطينيين.
وعلى مدار العقود الماضية، نجحت إسرائيل في وضع نفسها فوق النظام الدولي لحقوق الإنسان وفي شرعنة سياستها التوسعية واستبعاد نفسها من طائلة العقوبات الدولية الأخلاقية والقانونية.
إذ إن إسرائيل ترفض القبول بالانطباق القانوني لأي اتفاقية أو معاهدة أو مطالبة دولية على الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس ومناطق أخرى، وقامت بارتكاب انتهاكات خطيرة لكل بند ذي علاقة في الاتفاقيات أو المعاهدات.
فقد قامت إسرائيل، القوة المحتلة، ومنذ اللحظات الأولى لبدء احتلالها بالشروع فوراً في فرض ما لا حصر له من الإجراءات القمعية مثل الاعتقال الإداري والترحيل وهدم المنازل وأشكال أخرى من العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، مسببة لهم بذلك المعاناة والضرر الجسيمين.
وأعطت الحق لنفسها في إفساد حياة ملايين الناس وفي الاستمرار في العنف وفي شن حروب جديدة، فالصراع وعدم الاستقرار المتزايدان دوماً هما من ضمن الفكرة الصهيونية نفسها ومكونان أساسيان لها ونابتتان من لب منطقها، وليستا طارئتين عليها. ونظراً للقوة الأيديولوجية الكامنة وراء المشروع الصهيوني وحجم هذه الفكرة وإصرارها العنيد، فما من اعتبار أخلاقياً كان أم قانونياً بقادر على أن يقف في طريقها.
على أن الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان الممارس ضد الفلسطينيين هو من رواسخ المنطق الصهيوني, لا يتحقق النجاح لأحدهما دون الآخر، فمنذ أن وطأ الاحتلال الصهيوني الأرض الفلسطينية وهو يسن القوانين التمييزية والعنصرية التي تضمن بقاءه، وذلك من وجهة نظره العنصرية البحتة. فسَنّ الاحتلال قوانين تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني، وتعمل على قضم أراضيه وسلبها، وتوسيع الرقعة الاستيطانية وشرعنتها، وتشريد أبناء الشعب الفلسطيني وتهجيرهم ونهب مقدراتهم، وكان آخر هذه القوانين «قانون شرعنة المستوطنات».
وعلى مدار السنوات السابقة، منذ نهاية عام 1947 بدأت عصابات الصهيونية أعمالها الإرهابية ضد الفلسطينيين، ووفقًا للوثائق هُجِّر حوالي 70 % من الفلسطينيين خلال حرب 1948، وسلبت عصابات الاحتلال الصهيوني ممتلكاتهم. فقد هُجِّر حوالي 391 ألف فلسطيني حتى 14 يونيو 1949 وتم إجلاء وتهجير مواطني 70 قرية، و3 مدن عربية بشكل تام.
وقد اتخذت عصابات الاحتلال الصهيوني أساليب عديدة لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني؛ منها: الأعمال العدائية والإرهابية المباشرة في الأماكن التي تواجد فيها العرب. فبسبب تأثير الأعمال الإرهابية والعدائية الصهيونية التي كانت في الأحياء والقرى التي سكن فيها العرب الذين هُجِّروا، سقطت مراكز وأحياء وقرى كبيرة، فقد كانت الأعمال العدائية والإرهابية وتزايدها وانتشارها - بلا شك - العامل الرئيس والأساسي في هجرة العرب؛ فقد طالت موجة الهجرة كل مكان في الأراضي الفلسطينية.
كما كان لتواجد عصابات جيش الاحتلال الأثر الكبير في تهجير الفلسطينيين وتشريدهم؛ فقد كثر تواجدهم في يافا، وفي الجليل الأوسط والجنوبي وفي القدس. وقد كان لأعمال العصابات تأثير خاص؛ حيث مذبحة دير ياسين إضافة إلى الأعمال العدائية والعنف في الجنوب.
وبعد تهجير الفلسطينيين من بيوتهم ومن قراهم جاءت الخطوة الثانية؛ إذ كان على عصابات الاحتلال الصهيوني أن تجد سبيلًا لسلب ممتلكاتهم ومقدراتهم، فسنَّت قانون «أملاك الغائبين» في مارس 1950م لسلب 77 % من إجمالي ممتلكات الفلسطينيين والوقف الإسلامي في الأراضي المحتلة.
ويعرف القانون من هُجّر أو أُجلي أو ترَك مأواه حتى نوفمبر عام 1947 -وبوجه خاص في أعقاب الحرب- على أنّه غائب. ويقضي القانون بأن كل أملاكه -بما فيها الأراضي، وآلاف المنازل، والمحلات والمخازن والورش، وحسابات البنوك وغيرها - كانت بمثابة «أملاك غائبين» تنقل ملكيّتها للاحتلال الصهيوني، ويقوم عليها وصي صهيوني!
ويعد قانون «أملاك الغائبين» من أكثر القوانين الصهيونية عنصرية؛ فقد أُعد خصيصًا لشرعنة سرقة الأرض ومصادرتها، ومكمِّلًا للعمليات العسكرية التي قامت بها عصابات الاحتلال. وهو إجراء صهيوني لمنع عودة الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم من خلال مصادرة أملاكهم، وهو قانون جائر يتألف من 39 مادة، أقرّه الكنيست الصهيوني ويجري العمل به حتى الآن. وبموجب هذا القانون الجائر، فإن الصهيوني يعتبر نفسه مالكاً لأملاك الفلسطينيين الغائبين والوقف الإسلامي.
وللفلسطينيين حق استرداد حقهم وعيشهم كباقي البشر في دول تضم عرقيات وديانات متعددة. المسئولية في ذلك تقع أيضاً على عاتق حكومات دول العالم الغربي التي لم تجد بعد ضرورة لمساعدة سكان هذه المنطقة للخروج من الحلقة المفرغة التي جعلتهم بسياساتهم المصلحية يدورون في رحاها، لاسيما قد بات العالم بجزء كبير منه يبصر الحقيقة، خاصة بعد الجرائم والمجازر المتكررة التي ارتكبتها «إسرائيل» بحق الشعب الفلسطيني الجريح.