اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والأدلة على خفايا طبيعة العلاقة بين إسرائيل وإيران أكثر من أن تحصى، والعداء الذي يوحي به ظاهر هذه العلاقة لا يعكس خفايا وطبيعة مؤامرات الباطن ذات الطابع الودي والسمات الجامعة للطرفين، ولكن يمكن التمثيل على ذلك بما كان يحصل إبان الحرب العراقية الإيرانية؛ إذ كانت إسرائيل هي المزود الرئيس لإيران بالسلاح، سواء بشكل مباشر عن طريق مقايضة النفط الإيراني بالسلاح الإسرائيلي، أو بصورة غير مباشرة بوصف إسرائيل تعد طرفاً ثالثاً يتم عبره تزويد إيران بالسلاح الأمريكي.
وقد استطاع الكيان الإسرائيلي ونظام الملالي خداع وتضليل العرب باصطناع عداوة بينهما، مع أن ما يجمع بين الطرفين من الإتلاف الجامع أكثر مما يفرق بينهما من الاختلاف المانع، بما في ذلك الاشتراك في العداوة ضد العرب بشكل يقف شاهداً على محاربة النظام الحاكم في إيران للإسلام من الداخل حيث ذهبت به المغالاة في طلب الثأر التاريخي والتشيع والدعوة إليه حداً بعيداً دفع بهذا النظام الرافضي الباطني إلى منع المكون السني من بناء المساجد وإقامة الصلاة فيها في حين يوجد في طهران وحدها المئات من المعابد اليهودية مع وجود تشابه في بعض معطيات عقيدة الرافضة وعقيدة اليهود، كما يوجد بإيران أكبر جالية يهودية خارج إسرائيل.
وعلى الصعيد الاقتصادي فإن مئات الشركات الإسرائيلية تربطها بإيران علاقات تجارية وثيقة، خاصة تلك التي تعمل في مجال النفط والطاقة، إذا تقدر الاستثمارات الإسرائيلية في إيران بعشرات المليارات، والتعامل التجاري والتبادل الاستثماري يغلب عليهما طابع الفكر الذي يحكم النهج الصفوي واليهودي.
وبالنسبة للعلاقات غير الشرعية بين إيران وأمريكا فيكفي أن المحتل الأمريكي للعراق سلم هذا البلد لإيران على طبق من ذهب، وغضت أمريكا الطرف عن احتلال الروس والإيرانيين لسوريا لإنقاذ النظام العلوي فيها، كما لم تحرك ساكناً عندما استخدم هذا النظام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، بالإضافة إلى أن أمريكا مسايرة لنظام الملالي لم تقطع صلتها بالحركة الحوثية في اليمن، بل تواطأت معها ضد الشعب اليمني والحكومة الشرعية ذات الانتماء السني متجاهلة الجرائم التي ترتكبها هذه الحركة، وذلك مراعاة لإيران التي تماهت معها كثيراً فيما يتعلق بحزب (اللات) في لبنان الذي يمارس الإرهاب ويتاجر بالمخدرات.
ومن المفارقات العجيبة والمقارنات الغريبة طريقة التعامل مع البرنامج النووي الإيراني إذ إنه لو كان هذا البرنامج في دولة تنتمي إلى الإسلام السني لكان التعامل معها بطريقة مختلفة عمّا يحصل الآن مع الإيرانيين مثلما حصل مع العراق في الثمانينيات عند ما أراد صدام حسين إنشاء مفاعل نووي في دولة عربية ذات قيادة سنية، عندها لم تتردد إسرائيل في الإجهاز على موقع المفاعل وتدميره وهو لا يزال تحت الإنشاء. والموقف الأكثر غرابة في ميدان المفارقة وميزان المقارنة هو غزو أمريكا للعراق واحتلاله بحجة وجود أسلحة كيماوية ثبت بعد الغزو أنها ليست موجودة، ثم سلمت هذا البلد بعد احتلاله وتدميره لإيران بكل صلف ووقاحة، بينما على الطرف المضاد عملت الإدارة الأمريكية على إطلاق برنامج إيران النووي من عقاله وشرعنت وجوده والاعتراف به من قبل مجلس الأمن من خلال التفاوض بشأنه كما هو الحال بالنسبة لمجموعة (5+1) حيث تمارس هذه المجموعة إجراءاتها عبر التفاوض بشكل يوحي بالسعي لإيقاف البرنامج الإيراني في حين أنها عن طريق هذه الإجراءات تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي على مراحل زمنية عبر التلاعب بالإجراءات والتنصل عن الالتزامات والالتفاف على التفتيشات والتحايل على لجان المراقبات، كل ذلك يحدث بموجب أجندة سرية، تسمح لإيران بالعبث بأمن المنطقة، وتهديد دولها، متجاهلة سلوك إيران الخبيث، وامتداد نفوذها الإقليمي، ورعايتها للإرهاب، في ظل تنامي ترسانتها الصاروخية الباليستية وطائراتها المسيرة وحرسها الثوري وقواتها النظامية وغير النظامية.
ويستنتج من ذلك أن امتلاك نظام الملالي للسلاح النووي لا يخيف المسؤولين في الإدارات والمجالس الأمريكية وكذلك الكيان الإسرائيلي، بقدر ما يخيفهم احتمال الإطاحة بسلطة الملالي في يوم من الأيام، ووقوع هذا السلاح الحرج في يد سلطة إسلامية معادية لإسرائيل.
وحتى تُستساغ الأكاذيب وتنطلي على الأمة الإسلامية الألاعيب، كان لا بد من أن يتم تبادل إطلاق التهديدات المكذوبة والمتاجرة بالشعارات المعطوبة، فالملالي يهددون بإزالة إسرائيل من الوجود منذ أربعة عقود، وينادون بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل مع نعت أمريكا بأنها الشيطان الأكبر، وهذا كله يندرج في فلك التضليل والخداع لتصوير إيران بأنها الدولة الإسلامية التي تواجه إسرائيل وتعادي أمريكا.
وعلى الطرف الآخر فإن النظام الحاكم في إيران لو لم تسمح له أمريكا بتهديدها لم يتجرأ على ذلك، ولكن في سبيل بلوغ أهدافها جعلت من هذا النظام عدواً لها، وسوغت له أن يهددها ويتوعدها من أجل شق عصا المسلمين وتدميرهم من الداخل، بغية وصولها إلى ما تريد الوصول إليه لتنفيذ مخططاتها وبلوغ غايتها، وعندما تقضي وطرها من هذا العدو المصنوع أو يحاول التمرد عليها فلن يقوم له قائمة.
ورغم كيل الاتهامات وتوجيه التهديدات والمتاجرة بالشعارات والعربدة الإيرانية، ورفع العصا الغليظة الأمريكية فإنه لم يقتل إيراني واحد على الأرض الإيرانية كما لم يقتل إسرائيلي ولا أمريكي بأيد إيرانية طيلة العقود الأربعة الماضية، وضحايا القتل والتهجير كلهم من المنتمين إلى المذهب السني من العرب على أرض العراق والأرض السورية وفي اليمن وفلسطين وغيرها.
والمتسبب في هذا القتل والتهجير والتدمير هي إيران وأذرعها ووكلاؤها من العملاء والخونة والمرتزقة والإرهاب الذي ترعاه وتحتضنه، ويشارك في ارتكاب هذه الجرائم كل من الطيران الأمريكي والإسرائيلي والغربي وكذلك الإرهاب المصنوع من قبل هذه الدول كما يضطلع الروس بالجزء الأكبر من المهمة في سوريا.
ومن سوء حظ العرب وجود الدولة اليهودية في قلب الوطن العربي ومجاورتهم لإيران الصفوية، كما أن النعمة عادة ما تكون سبباً في حصول النقمة، فالمزايا التي يتمتع بها هذا الوطن جعلت منه محطاً لأنظار قوى الشر والاستعمار في الزمن القديم والعصر الحديث، ونتيجة لخبث الجوار وأطماع الاستعمار وما يعانيه العرب من الابتعاد عن الدين والتشرذم وتفرق الكلمة وغياب المشروع السياسي، سلط الله عليهم أخبث الأمم، وصارت قضاياهم تجارة رابحة ومتاحة لمن أرادا أن يتاجر بها، خاصة القضية الفلسطينية التي أثقلت كاهل الأمة، ووجد فيها نظام الملالي ضالته وفرصته للمزايدة والمساومة، متخذاً من الدين أداة لدغدغة المشاعر والتآمر على أصحاب الحظ العاثر.