الحق في الحصول على الغذاء الكافي يعد من حقوق الإنسان، فمن حق كل شخص أن يجد ما يكفيه من الغذاء بطريقة كريمة، وذلك كما أقرت به الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
الأمن الغذائي كفيل بضمان هذا الحق، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، يتوفر الأمن الغذائي «عندما تتوافر لجميع الناس، في كل الأوقات، الإمكانات المادية والاجتماعية والاقتصادية، للحصول على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية للتمتع بحياة موفورة النشاط والصحة».
وللأمن الغذائي أربعة مكونات رئيسة وهي:
التوافر: وجود كميات كافية من الغذاء في الدولة سواء كان من إنتاج محلي أو استيراد.
الوصول: وجود دخل كاف أو موارد أخرى للحصول على الغذاء المناسب.
الاستخدام: استهلاك الغذاء بطريقة صحية.
الثبات: الحصول على الغذاء الكافي المناسب في جميع الأوقات.
الأمن الغذائي لا يضمن فقط حقوق الأفراد وتحسين الحالة الصحية للمجتمعات، وإنما يعد مساهماً قوياً في حفظ استقرار وأمن الدولة، حيث جاء ذكر الأمن الغذائي في كتاب بعنوان التهديدات الأمنية الناشئة في الشرق الأوسط كأحد القضايا الأمنية التي سوف تزداد أهمية في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة هو « القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة»، مما يؤكد دور الأمن الغذائي في تحقيق التنمية والرخاء للشعوب.
وتتجلى أهمية الأمن الغذائي في أبها صورها عند الأزمات، على سبيل المثال أزمة الغذاء العالمية لعام 2008 أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء في العالم مما ألحق الضرر بالعديد من الدول. مثال آخر أحدث، هو ما شهده العالم من انخفاض في الدخل، وارتفاع في أسعار الأغذية، وتدهور سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية جراء جائحة كوفيد 19 ، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، عام 2021، الصدمات الاقتصادية الناتجة بشكل كبير بسبب كوفيد 19 أدت إلى زيادة مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد من حيث عدد الأشخاص والبلدان المتضررة (أكثر من 40 مليون شخص في 17 دولة / إقليم، ارتفاعًا من 24 مليوناً و 8 دول في عام 2019).
الأمن الغذائي في الوطن العربي بشكل عام يواجه العديد من التحديات منها قلة المساحة المزروعة، وشح الموارد المائية، والاعتماد الكبير على الإمدادات الغذائية المستوردة.
أدركت المملكة العربية السعودية أهمية الأمن الغذائي والتحديات التي تواجهه، حيث تم إعداد إستراتيجية شاملة للأمن الغذائي، يتم حاليًا الإشراف على تنفيذها من قبل الهيئة العامة للحبوب، ويشكر المسؤولون في الهيئة على جهودهم في سبيل تنفيذ هذه الإستراتيجية وتحقيق تطلعاتها.
الأمن الغذائي قضية معقدة تتطلب تحليلاً معمقاً للوصول إلى حلول ملائمة، ولذلك البحث العلمي يعد ركيزة أساسية لتحقيق أهداف الأمن الغذائي، فهو الذي يمكّن صناع القرار من اتخاذ القرارات المبينة على البراهين والمدروسة بشكل موضوعي ودقيق.
وعلى الرغم من أنه قد يوجد بحوث ذات صلة بالأمن الغذائي في الجامعات المحلية تحت نطاق كليات الأغذية والزراعة، والتخصصات البيئية والاقتصادية والسياسية، إلى أننا بحاجة إلى مزيد من الجهود البحثية في هذا المجال.
عند النظر للجامعات الرائدة العالمية، نجد معامل ابتكار ومراكز بحثية خاصة بالأمن الغذائي، على سبيل المثال، مركز جامعة ستانفورد للأمن الغذائي والبيئة والذي يقدم زمالة الأمن الغذائي للراغبين في بناء قدراتهم في هذا المجال، ومركز كامبريدج لأبحاث الأمن الغذائي متعدد التخصصات والذي يرى أن تعددية التخصصات ضرورة لفهم مثل هذه القضية المعقدة وتطوير حلول فعالة، حيث يضم مختصين من علم الاجتماع والجغرافيا وعلوم التغذية، ومعمل ابتكار بحوث سياسات الأمن الغذائي بالشراكة مع العديد من الجهات من ضمنها جامعة ميشيغان الأمريكية، والذي يهدف إلى تعزيز قدرات مراكز أبحاث السياسات الأمريكية على إجراء أبحاث أمن غذائي عالية الجودة والتأثير.
المراكز البحثية في الجامعات لا تعمل فقط كذراع بحثي للجهات المختصة، بل تساهم كذلك في تأهيل وتنمية مهارات ومعارف الطلاب، حظيت خلال فترة الماجستير في كندا بالعمل في مركز بحوث الأمن الغذائي التابع للجامعة وكانت تجربة رائعة ساهمت بشكل كبير في صقل مهاراتي البحثية وزيادة رصيدي المعرفي.
على حد علمي لا يوجد لدينا في المملكة حتى الآن مراكز بحثية خاصة بالأمن الغذائي بمفهومه الشامل في الجامعات أو الجهات الحكومية ذات الصلة، أو برامج ومسارات خاصة بالأمن الغذائي لطلبة البكالوريوس والدراسات العليا.
لتحقيق أهداف إستراتيجية المملكة للأمن الغذائي، نحن بأمس الحاجة لمراكز بحثية مهمتها الأساسية متابعة وتقييم واقع الأمن الغذائي في المملكة، إعداد البحوث التنبؤية، وتقديم الحلول الابتكارية والاستباقية. في نظري الجامعات المحلية مؤهلة وقادرة على تبني مثل هذه المراكز، وقد تكون جامعة الملك سعود التي يطمح سمو ولي العهد بأن تصبح من أفضل 10 جامعات في العالم من يقود عجلة أبحاث الأمن الغذائي في المملكة.
** **
- رئيسة وحدة تمكين مجتمع البحوث في المركز الوطني للدراسات والبحوث الاجتماعية