يصدر الإنسان بشكل عام أحكاماً ضمنية أو معلنة على الآخرين، كما يصدرها على أعمالهم ومنجزاتهم، وفي معظم الأحيان تتأثر أحكامه بميوله وعاطفته وتوجهاته. ومن النادر أن تجدَ فرداً يصدر أحكامه مجردة من أي ميل، ولا يريد بها إلا الارتقاء وأن يكون أكثر دقة فيها لتصب في مصلحة العمل الذي طاله الانتقاد.
من وجهة نظري ثلاثة أشياء لا بد أن يتجرّد المرء من عاطفته وميوله ومزاجه عندما يتناولها، أو يبدي رأياً فيها، وهي: الفن، والأدب بأنواعه، والثقافة ... فهنا، من خلال الفن والأدب، ينحاز إلى الجمال، ويكون حسه متجهاً إلى الفن بكامل أدواته النقدية التي استند إليها؛ لأن الجمال لا يعترف بالحدود، بل يتخطاها إلى أبعد من الجمال، ليصل إلى قمة الإبداع.
أما من ناحية الثقافة، فالأهم في الحركة الثقافية، أو ما يحمله الفرد من ثقافة، مدى تفكيره وما يحمله من نظرات تجاه الأشياء، وأن تكون تأملاته وطريقة تفكيره ونظرته إلى الآخر حيادية حتى لو كان يختلف كلياً عنه، فلا بد أن تقف محايداً عندما تصدر حكماً على ثقافة مخالفك أو نتاجه، وتتجرَّد من كل شيء لتكون منصفاً.
ما نشهده في أكثر الآراء لا يخضع لمقاييس معينة تنصف العمل الذي قدم، بل نلحظ أنها تخضع للمزاجية والعاطفة، وفي بعض الأحيان تكون مجاملة لصاحب العمل الأدبي أو الفني.
والرقي يحدث من خلال النقد السليم، حين يكون نقداً هادفاً إلى الارتقاء والفائدة، ويُقدَّم بطريقة علمية تبيِّن الإيجابيات والسلبيات، لكي يستفيد الجميع من هذا الرأي الذي لا بد أن يُحدِثَ حراكاً جميلاً.
كما أن من المهم جداً البعد عن الحدة في طريقة إبداء الرأي، والابتعاد عن الصدامية لكي يتقبل الآخر الآراء، وقد يأخذ بها ويستفيد منها ومن الأحكام التي تقدّم للعمل الذي قدّمه.