عبدالوهاب الفايز
إذا أنتَ ممن يتطلع إلى الحوارات الموضوعية التي تنفع الناس شاركنا لنقول: شكراً لأعضاء مجلس الشورى على فتح النقاش حول مستقبل الأمن الغذائي لبلادنا.
عند مناقشة مجلس الشورى الأسبوع الماضي التقرير السنوي للمؤسسة العامة للحبوب (للعام المالي 1441- 1442هـ) حرص أعضاء المجلس في مداخلاتهم على إبراز أهمية وضرورة ضمان نجاح البرامج والآليات المتصلة بموضوع الأمن الغذائي للمملكة.
لقد رأى بعض أعضاء المجلس أن استثماراتنا الزراعية الخارجية كانت ذات دور محدود جداً لتوفير المنتجات الغذائية للمملكة خلال فترة أزمة الإغلاق العالمي عام 2020 . وفي نظر الأعضاء هذا مؤشر على تدني مستوى مساهمة تلك الاستثمارات الزراعية الخارجية في دعم أمننا الغذائي.
وتم التأكيد في المداخلات على ضرورة قيام المؤسسة العامة للحبوب، بصفتها المشرفة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في المملكة، بمراجعة (مدى جدوى مبادرة الاستثمار الزراعي الخارجي)، واعتماد آليات فعالة، تضمن التزام الاستثمارات السعودية الزراعية في الخارج، وخصوصاً المملوكة لشركة سالك، بالتصدير إلى المملكة حين الحاجة للسلع الغذائية الأساسية.
هذا الاهتمام من أعضاء المجلس بقضية الأمن الغذائي له ما يبرره وليس مستغرباً من مجلس الشورى حرصه على المناقشة المستفيضة العميقة لتقارير الوزارات والمؤسسات العامة بالمملكة، ومداخلات الأعضاء ومقترحاتهم وأفكارهم وانتقاداتهم تقدم لـ(ولي الأمر) المشورة والرأي لتحسين الأداء الحكومي لكي يخدم مصالحنا العليا.
موضوع الأمن الغذائي يحظى دوماً بأهمية بالغة لدى الدول. وتأكدت تلك الأهمية بعد الإغلاق العالمي بسبب جائحة كورونا وتأثر حركة النقل وتوقف سلاسل الإمداد للعديد من الصناعات والمنتجات الزراعية. هذا الأمر لم تغفله الحكومة ووضعته في أولوياتها منذ سنوات عديدة، وهو الذي دفع بمبادرة الاستثمار الزراعي الخارجي عام 2008، وكان الهدف: تحقيق الأمن الغذائي الوطني.
وتم على إثرها تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك)، كشركة قابضة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة. وقامت الحكومة أيضاً بتقديم أشكال الدعم كافة لرجال الأعمال السعوديين، منها قروض ميسرة عبر صندوق التنمية الزراعية، لتشجيعهم على الاستثمار الزراعي خارج المملكة.
في الحقيقة، لدينا حاجة ملحة في المملكة لمراجعة شاملة لمبادرة الاستثمار الزراعي الخارجي وتقييم مردودها على توفير احتياجات المملكة من المنتجات الغذائية مقابل الأموال العامة الكبيرة المنفقة ضمنها. أيضاً نحتاج إلى المفاضلة بين خيارات جدوى الاستثمار الزراعي الخارجي من جانب، ومواجهة المخاطر التي تكتنفها. أيضاً نحتاج إلى دراسة خيار استثماري بديل عبر تأسيس (بيوت تجارة دولية متخصصة) باستيراد وتصدير المنتجات الغذائية، على غرار التجربة اليابانية الناجحة التي وفرت الأمن الغذائي لبلد صناعي فقير في المنتجات الزراعية.
والخيار الثاني ضرورة معالجة أم القضايا للقطاع الزراعي في المملكة، وهي: مشكلة التسويق.
قبل عشرين عاماً تأكد لنا خطورة إهمال تسويق المنتجات الزراعية؛ فهي السبب في ضياع عائد الاستثمارات الكبيرة التي ضُخت في القطاع قبل أربعين عاماً، ومع الأسف إن معظم تسويق المنتجات الزراعية تحول إلى (اقتصاد الظل)، أي التستر التجاري!
معضلة التسويق لها آثارها الانسحابية السلبية المتعدية إلى المزارع والمستهلك، وإلى الاقتصاد الوطني. المؤسف أن الجهات الحكومية التي بيدها ونطاق عملها يتيح لها التدخل لإصلاح هذا الخلل لم تعرف كيف تتعامل مع هذه المشكلة المستدامة. طبعًا مشكلة التسويق الزراعي سببها الرئيس هو الإدارة؛ فإصلاح منطقة الوسط/ التسويق ورفع جودة مخرجاتها تتطلب الكفاءة في القيادة والإدارة لهذه السلسلة المهمة في الإنتاج الزراعي.
في الأيام الماضية تداول الناس مقاطع مصورة لمعاناة المزارعين الذين يجلبون محاصيلهم إلى أسواق الخضار حيث تتلقفهم هناك (تكتلات العمالة) لتفرض عليهم الأسعار التي عادة تكون بخسة ولا تغطي تكلفة الإنتاج. هناك مواقف درامية مؤلمة؛ إذ يكون المزارع أمام خيارات وقرارات صعبة: البيع بالسعر المعروض أو تلف المحصول! الذروة الدرامية في المشهد تبلغ حالتها المحزنة عندما يرى المزارع، وقبل أن يغادر المكان بضاعته تباع بأسعارٍ مضاعفة!
والوضع المؤسف الأصعب للتسويق الزراعي نجده في قطاع النخيل والتمور. رغم أهمية زراعة التمور الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكبيرة، وأثرها على التنمية الزراعية والريفية المستدامة، ورغم أننا تجاوزنا زراعة 31 مليون نخلة، تنتج أكثر من مليون ونصف المليون طن سنويًّا.. إلا أن هذا القطاع يعاني من ضعف التصنيع والتسويق، وبالتالي ارتفاع الفاقد والمهدر من المحصول الذي ربما يتحول جزء كبير منه إلى علف للحيوانات إذا بقينا نتفرج!
مرة أخرى نقول: شكراً لمجلس الشورى لفتح النقاش حول الأمن الغذائي، وسوف يتواصل الحديث!