سمر المقرن
مهم جدًّا إدراك قيمة الأشياء قبل الابتلاء بفقدها؛ فاعتياد الأشياء والأشخاص من أسوأ العادات. والاعتقاد بأنهم سيظلون إلى الأبد يقدمون بلا مقابل، وأن ما يفعلونه شيء عادي، هو ظن خاطئ؛ فقد يباغت الفقد الإنسان في أية لحظة تاركًا خلفه مساحات من الفراغ القاتل، وأشياء كانت تُقدَّم على طبق من ذهب، دون أن يدرك قيمتها أحد؛ فكلما اقتربت اليد من العين فإنها تحجب الرؤية تمامًا، وهو ما يحدث عادة عندما يقدِّم شخص لغيره معروفًا باستمرار، ولا يشعر بقيمته إلا بعد أن يفقد صاحبه، وقتها لن يجدي تقديم باقة من الزهور، وقد كان من قبل يكفي زهرة واحدة أو كلمة طيبة تقدَّم لإنسان للتعبير عن الشكر والامتنان عما يفعله من أفعال طيبة.
وتقديم الشكر والثناء للشخص وهو حي يرزق ولو بكلمة أفضل من كل معاجم كلمات التأبين بعد أن يفارق الحياة.
فتلك الزوجة التي كانت تسهر الليل تغزل من صبرها رعاية لأبنائها وزوجها، ثم فارقت الحياة فجأة، كان يكفيها كلمة شكر من زوج مخلص أو ابن بار، أو وردة صغيرة فوّاحة للتعبير عن الامتنان لمجهوداتها في المنزل وخارجه بدلاً من توبيخها واتهامها بالتقصير ليلاً ونهارًا وهي بريئة منه!
وهذا الابن الذي كان بارًّا بوالديه، يسهر على راحتهما، يعد أنفاسهما، ينفذ أوامرهما بصبر جميل، كان يكفيه كلمة شكر بسيطة قبل أن يغادر الحياة فجأة في ريعان شبابه، مخلفًا وراءه ندمًا على ساعات طويلة من التوبيخ، كان والداه يوجهانه له - أحيانًا - بلا سبب اعتقادًا منهما أنهما يربيانه، وأن العمر الطويل سيمنحهما فرصة لشكره فيما بعد، فيشاء القدر أن يخطف زهرة شبابه تاركًا والدين يعضان أنامل الندم على ما فرَّطا فيه من التعبير عن شكرهما لابنهما وهو على قيد الحياة!
وذاك الأب الذي كان يقف سدًّا منيعًا لأبنائه أمام تقلبات القدر متسلحًا بالنصح والإرشاد، وكان يواجَه بثورة عارمة من الأبناء الذين لا يقدرون تلك الجهود، ونعيم وجوده، فلا يستيقظوا إلا وهو يسكن التراب!
وهذه أخت أو صديقة كانت تضحي بوقتها وسعادتها من أجل صديقتها التي كانت تظن أن ذاك حق مكتسب، وكانت تؤجل شكر صديقتها على ما تبذله من أجلها إلى حين، ولكن جاء الأجل قبل الحين فندمت أشد الندم على ما فرطت في حق صديقتها من تقديم الشكر!
يجب أن يُمنح الآخرون الذين يرفعون شعار العطاء للجميع حقَّهم في المشاعر الإنسانية قبل أن يُفقدوا، وكما قال الشاعر جبران خليل جبران: (وردة واحدة لإنسان حي أفضل من باقة على قبره).