د.فوزية أبو خالد
أبحث عن كلمة حرة في لجاج الكلام
أبحث عن كلمة مضيئة في جحافل الظلام
أبحث عن كلمة شرف في عهود السلام
***********
أحب أن أستطيع ترك القهوة في فنجانها الشهي المغري بعد الرشفة الثانية وإن استبدت بي رائحتها إذا لم أستسيغ المذاق
**********
رياضة لاستعادة اللياقة:
نحتاج جميعاً لمثل هذه الرياضة التي سماها مصطفى محمود -على ما أذكر- «لحظة الاستجمام من لهاث اللحظة الراهنة»، وأسميها لحظة تضميد الركب من كدمات الكبوات، وترميم الروح من جروح المغامرات، وجلو النفس من سأم العادات اليومية ومن ارتخاء أو شد بعض العلاقات القريبة، ومنها علاقتنا بأنفسها للنفخ فيها طاقة جديدة بذلك الهدف السهل الصعب، وهو القدرة على مواصلة مشوار الحياة، أو ما تبقى لنا من المشوار، في حالتي، ونحن لا نزال محافظين على لياقتنا الجسدية والروحية.
وهذه تجربتي مع هذه الرياضة في السطور التالية:
أستيقظ أحياناً من سباتي، أنتبه أحياناً من غفلتي، وألتقط أنفاسي -أحياناً- من ركضي اليومي فأطلق عنان الخيال -أحياناً- لتسير ساعتي قبلي إلى الأمام، في محاولة لتأمل استباقي لخططي المستقبلية، أو لما يخبئه لي القدر من مفاجآت، أسأل الله أن تكون سارة. وعادة مع محاولتي التوقف عن العادات أو مخالفتها في هذا السياق، أمشي هذا الماراثون المستقبلي وحدي في أروقة وحدتي لا شريك لي إلا الأمل وحُسن الظن بخالقي بديع السموات والأرض.
وأحياناً أكف -مؤقتاً- عن عملي ومشاغلي أو ما أتظاهر أمام نفسي ومعارفي بأنه مشاغلي وعملي، أتخلى -أحياناً- عن برنامجي اليومي في التريض بحمل أوزان خفيفة والمشي نصف ساعة قبل الغروب ونصف ساعة بعده في حديقة صغيرة بجانب بيتي تسمى (برحة الربيع)، وأقمع نفسي عن متابعة وسائط التواصل الاجتماعي وعادتي العتيدة التي أظن أنني الوحيدة التي ما زلتُ مدمنة عليها إدماناً لا شفاء منه، والمتمثلة في قراءة الكتب والصحف الورقية، أعتذر عن كتابة مقالي الأسبوعي (بجريدة الجزيرة الصامدة بأبو بشار وباقة من أخلص ما رأيت من طاقم التحرير والإدارة)، أتوقف عن أخذ أدويتي والرد على الجوال والإيميل وأقلل شهيتي، فآخذ نفساً عميقاً بعد أن أسرح شياطين الشعر والبشر بما فيهم شياطين النفس و»العياذ بالله»، وأسترق لحظات أعيد فيها ساعتي للوراء لأمشي في أروقة ما مضى من الوقت، وأزور خلالها ما لم يذبل من زهور العمر وما ذرته الرياح منها وجرفته إلى زوايا الذاكرة.. لا شريك لي في مشواري هذا إلا الشجن ونوع غريب من الشعور بالوحشة التي تعتري الإنسان عندما يكون على شفا غربة العمر كلما أوشك الغروب.
مشاهد من تلك الرياضة:
رياضة صحبة الأمل
- محفوفة بعدد من الأحفاد، بعضهم في عمر المناغاة، وبعضهم في عمر الرغاوي بتعدد سنواتها البراقة من الثانية للثانية عشرة، وبعضهم في عمر بزوغ أول ريش الشباب، أسير في موكب بشري واسع في خضمه سنابل من أمهاتهم وآبائهم وطالباتي وزميلات وزملاء وصديقات وأصدقاء، بعضهم للتو أتعرف عليهم، باعتبارنا نسير في المستقبل المتخيل، وجميعنا نحمل راية وطن بيننا وبينه خبز وملح ورمل وماء وحبر، قلب ودم قلم، وجميعنا يحدونا أمل.
رياضة بصحبة الشجن
- انبهار لا يوصف وأنا أمشي حافية بدهشة في ساحة الحرم النبوي الشريف وأقف بوجل وحماس طفولي أمام أكبر حجرات ممكن أن يراها طفل، حيث ينام فيها أعظم رجل مر في عمر البشر وصاحبيه أبو بكر وعمر، في أول زيارة لي للمدينة المنورة وقد كنتُ للتو بلغتُ تسع سنوات في برج الأسد، ودخلنا المدينة المنورة في برج السنبلة، و»هو وقت أكثر مناسبة للزيارة لأنه أقل وطأة في حرارة الجو» كما أذكر من أحاديث أهلي عندما بدأ يلفحنا هواء رقيق أخف وطأة من حرارة هواء جدة، عندما بلغنا منطقة بدر. أنفلتُ من يد أهلي بعد صلاة العصر، ورميتُ نفسي في أحضان الكتب التي كانت دكاكينها الصغيرة تحيط بساحة الحرم.. وصرتُ في الذهاب والإياب أطفق منها كتباً تطير بي في قصص الأنبياء، وتعرج بي في قراءتي أثناء سمر أسرتي لكتاب الإسراء والمعراج. ولا أنسى سباحة البرك في بساتين تلك الأرض الطاهرة الغالية التي تسمى بساتينها بلاد.