الهادي التليلي
بعد الترتيبات السرية حيناً والمعلنة حيناً آخر تم الإفصاح عن اللقاء المرتقب بين زعيمي العالم جو بايدن وفلاديمير بوتين، فبايدن الذي استهل ولايته بتوجيه خطاب شديد اللهجة لنظيره بوتين متوعدًا على خلفية ما يروج من كون الزعيم الروسي كان قد تدخل في الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها دونالد ترمب ومتخذاً من قضية المعارض الروسي نافالي باباً لمحاصرة الدب الروسي في زاوية حقوق الإنسان، وبوتن الذي رد عليه باستهزاء داعياً له بالشفاء وتحرك في الجغرافيا في سوريا والعراق وغيرها.
بقطع النظر عن أسباب اللقاء المباشرة فإن سنة العالم أن يسجل التاريخ لزعماء البلدين الأكثر تأثيراً لقاءات تسجل في الذاكرة والتاريخ، ولكن في الحقيقة وحسب قراءة خط السياسة الخارجية الأمريكية في العهد الديمقراطي كان متوقعاً أن تسوء العلاقة بين البلدين من جهة، ومن جهة ثانية تتطور العلاقة مع الصين الدولة الثالثة المنافسة في السيطرة على العالم، ولكن حسابات الديمقراطيين لم تقرأ جراحات الصين من الاتهامات الأمريكية في ما يخص أسباب جائحة كورونا بل وتحركت الصين في الاتجاه المعاكس للدبلوماسية الأمريكية حيث تقاربت مع إيران وتحدت الحظر الأمريكي عليها، ولم تكتف بذلك بل حاولت تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف المتوجسة من سياسة الديمقراطيين الخارجية، فالصين أفسدت حسابات فريق بايدن ومنظري حزبه لمعرفة كل الخصوم بأن الساسة الديمقراطيين لا يحاربون عملاقين في الوقت نفسه.
في الوقت نفسه تحركت الدبلوماسية الروسية في الظل ونسجت خيوط تفاهمات إقليمية تستجيب لمصالحها وتتقاطع مع الخط الأمريكي الديمقراطي في السياسة الخارجية، وأعادت خلط أوراق المشهد الجيوسياسي بخبرة وبراعة بوتن الذي وفي الوقت نفسه ليست له أي مصلحة في الدخول في مواجهة مع المعسكر الغربي وحتى المأزق الذي وجد فيه جميع الأطراف أنفسهم، ونعني به أوكرانيا لم يكن ليحدث لولا الضغط الأوروبي الذي اعتبرها قضيته الأولى.
الولايات المتحدة اغتنمت قمة الأرض كنافذة لبدء صفحة أخرى بعد أن سارت الأمور على غير ما تشتهي، فقمة الأرض فعلاً كانت المهدئ الحقيقي لمرجل حرب كانت تنتظر شرارة، والحمد لله تم إخمادها بقمة الأرض. فالحديث عن مستقبل الكون في ظل الانبعاثات الكربونية والتلوث والدعوة الجماعية لمستقبل أخضر لهذا الكون الذي يعاني من التلوث مما أدى إلى الاحتباس الحراري المهدد للبشرية جمعاء، هذا الخوض في القاسم المشترك والهاجس الجماعي كان أحسن سيناريو لفتح صفحة حوار لما فيه مصلحة الطرفين ولتبادل الابتسامات عبر شاشات التواصل التي فرضتها كورونا.
أمريكا غيرت وجهة المستهدف من روسيا وبوتين إلى الصين والعودة طبعاً إلى ملف جائحة كورونا وفي الوقت نفسه حركت آلة تنسيق لقاء مرتقب بين البيت الأبيض والكرملين، فبايدن الذي يسير للقاء لا بمقولة مجبر أخاك لا بطل وإنما بقاعدة لا أعداء في السياسة ولا خصوم وإنما مصالح وتقاطعات براغماتية لا مجال للعواطف فيها، وهي خير إجابة لمن منحوه أصواتهم خاصة بعد المحاورة المباشرة مع ترامب عندما اتهم خصمه بكونه عميلاً لروسيا مما أثار مشاعر الكبرياء لدى الأمريكيين خاصة وأنه أبدى شجاعة أمامهم عندما توجه لبوتن بتلك الكلمات، ولكن للسياسة إكراهاتها وهي أسهل مقولة لرفع الحرج.
اللقاء بين الزعيمين سيكون بروتوكولياً لا أكثر ولا أقل، لأنه في العرف الدبلوماسي فرق العمل تنسج كل التفاهمات وتحبر كل التفاصيل واللقاء بين الرجلين لا هو استعراضي وواجهة يستهلكها الإعلام بعد أن تألم بما يكفي من حرب غزة.
الملف النووي واحترام سيادة الآخر والعقوبات الاقتصادية الأمريكية على روسيا وفتح أبواب حوار بين الروس وأوروبا، إضافة إلى ملفات الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب ومغادرة الجيش الأمريكي لأفغانستان التي قد تكون لقمة سائغة أمام القوي الروسي ستكون أولويات اللقاء وعناوينه الكبرى.
هذا اللقاء بين الزعيمين على قيمته لن يتجاوز حصة تعارف بين طرفين لا تتماشى مصلحتهما مع إكراهات الحرب الباردة وموتها البطيء بالرغم المعطلات، كالرأي العام الأمريكي وثقة الاتحاد الأوروبي في الحليف الأمريكي أمام ما يرونه من أطماع روسية.