الدَّهْر لاءم بَين ألفتنا
وكذاك فرق بَيْننَا الدَّهْر
بينما كنت أسرح طرفي بصحيفة الجزيرة الغراء إذا بنبأ رحيل أخي الزميل الشيخ عبدالله بن محمد الرشيد إلى الدار الباقية، حيث توفي -رحمه الله- يوم الثلاثاء 6 شوال 1442هـ بمكة المكرمة، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة الظهر يوم الأربعاء ثم ووري جثمانه الطاهر بمقبرة الشهداء بالشرائع - تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته - فتأثرت كثيراً بغيابه عن نواظرنا وعن أسرته ومحبيه.. ولا شك أن رحيله وأمثاله من الزملاء محزنٌ وموجع للقلب يظل تذكره أياماً وأزماناً طِوالاً مدى العمر لما يتمتع به من خلق كريم وأدب جم رفيع، ودماثة خلق ولين جانب طِيلة أيام الدراسة الجميلة معه، ومع معظم الزملاء الأخيار، وما جرى بيننا وبينهم من ذكريات وتواصل بين حين وآخر بعد أيام الدراسة حتى رحل معظمهم الآن إلى الدار الآخرة -رحمهم الله- ولم يبق إلا القليل منا على قائمة الانتظار. وربنا يحسن الختام لنا، والرحمة عند لقائه.
ولقد وُلد في مدينة الرس إحدى كبريات مدن القصيم عام 1353هـ، ونشأ بين أحضان والديه، وبين إخوته وأخواته، ومع أقرانه ولداته في أجواء مرح وتآلف، ثم بدأ تعليمه في مدرسة الكتّاب لتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم لدى عمه المقرئ محمد بن ناصر الرشيد، ومحمد البراهيم الضويان، ومحمد البراهيم الخربوش، ثم التحق بالمدرسة السعودية لما فتحت عام 1363هـ، وتخرج عام 1370هـ. بعد ذلك التحق بالمعهد العلمي بالرياض حتى تخرجنا معاً عام 1374هـ، ثم دخل كلية الشريعة حتى نال الشهادة العالية بها عام 1378هـ، وقد درس على والده العالم الجليل، وعلى الشيخ الفاضل ابن طاسان مما قوى لديه ملكة الحفظ وسرعة الفهم -رحم الله الجميع- أما أنا فقد حصلت على الشهادة الجامعية من كلية اللغة العربية عام 1378هـ (الدفعة الثانية) على مستوى المملكة العربية السعودية. وقد عيّن -رحمه الله- للتدريس في الأحساء ثم في شقراء والمجمعة التابعة للمعاهد العلمية.. بعد ذلك تحول قاضياً بالدرعية فطلب الإعفاء تورعاً، والتحويل لوزارة المعارف -آنذاك- حيث عيّن مدرساً بمدينة الرس في 5-4-1379هـ، ثم عيّن مفتشاً إدارياً عام 1384هـ بمكتب تعليم الرس، وتولى إدارته لمدة سنتين، وفي عام 1393هـ عيّن مساعداً لمدير التعليم بالقصيم للشؤون الفنية، وفي عام 1405هـ عمل مديراً لتعليم البنات بالرس إلى أن تقاعد عام 1419هـ حميدة أيامه ولياليه، وقد عرف عنه حب الخير والإحسان إلى الناس والتيسير عليهم خلال عمله، وهو من أوائل من كتب عن مدينة الرس:
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
ولا ننسى حلاوة تلك الأيام داخل الفصول الدراسية وفي الفسح الطويلة.. بل ليالي استذكار الدروس معه ومع شقيقه منيع -شفاه المولى- وبعض الزملاء بمسجد حوطة خالد بالرياض إلى ما يقارب منتصف الليل ولم يبق من تلك الأمسيات الحبيبة إلى قلوبنا سوى رنين الذكريات:
وليست عشيات الحمى برواجعٍ
عليك ولكن خلِّ عينيك تدمعا
وفي آخر حياته سكن في مكة المكرمة مجاوراً لبيت الله الحرام هو وبعض أسرته، يقضي جلّ وقته داخل المسجد في عبادة الله وقراءة القرآن الكريم، يتلو كتاب الله راجياً مضاعفة أجره ومغفرته عند لقائه، فقد لقيه بنفس مؤمنة راضية بعد صيام شهر رمضان المبارك، فهو مغبوط على حسن الختام.. تغمده المولى بواسع رحمته وألهم أخويه: منيع بن محمد الرشيد، والمهندس صالح بن محمد الرشيد، وأبناءه وشقيقاتهم وزوجاته، وأحفاده والأستاذ الكاتب الصحفي رشيد بن عبدالرحمن الرشيد وأسرة الرشيد كافة ومحبيه الصبر والسلوان.
وإذا أحب الله يوماً عبدهُ
ألقى عليه محبة في الناس
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف