في عام 1375هـ وبأمر من الملك سعود -رحمه الله- ومن منطلق حرصه الشديد على تحقيق الرفاهية والتعليم لأبناء شعبه والعطف عليهم فقد أمر -رحمه الله- بافتتاح عدد كبير من دور الأيتام بكافة مدن المملكة، وكان من ضمن تلك الدور دار الأيتام بالزلفي، والكثير من الإخوة القراء الأكارم لا يعرفون هذه النقلة العظيمة التي أولاها الملك سعود -رحمه الله- لشعبه لرفع مستوى حياتهم المعيشية وتعليمهم، وما إن وصل الخبر بافتتاح الدار كثر الحديث والنقاش عن هذه الدار ما بين مؤيد ومعارض، فالمؤيدين فرحين بأن هذه الدار ستضم مجموعة كبيرة من الطلاب المحتاجين للمعيشة والألبسة والتعليم وسيكون لذلك أثر إيجابي على مستقبلهم وحياتهم، أما المعارضون وهم بالطبع لا يدركون الأهداف الحقيقية التي أُنْشِئتْ من أجلها الدار بل كانوا يقولون آنذاك إن الهدف من ذلك هو أن الحكومة ستأخذ هؤلاء الطلاب عساكر على الحدود، المهم الغالبية من الناس أدركوا أهمية هذه الدار وفوائدها الإيجابية وكان ممن سجل ودخل بهذه الدار أنا وأخي الكريم سعود ولم نكن في ذلك الوقت أيتاماً لكن ظروفنا الاجتماعية آنذاك أشد من الأيتام والحديث في هذا الموضوع يطول سأورد له مقالاً خاصاً إن شاء الله، تكرم خالي الكريم عبدالعزيز -رحمه الله- وأخذنا إلى الدار وأنهى إجراءات تسجيلنا ثم دخلنا إلى الدار التي كانت تطبق النظام الداخلي وتقوم بالتعليم النظامي بالإضافة إلى الأكل المنوع ذي الثلاث وجبات والمكون من الفطور جبن كرافت وزيتون وفول وطحينية وخبز وحليب وشاي، تصوروا هذه النقلة العظيمة بالنسبة للطعام لنا الذي لا نعرفه من قبل نهائياً إذ كان يمر اليوم واليومين بدون أكل بسبب الظروف التي يمر بها غالبية المجتمع، فالحمدلله والشكر على نعمه العديدة التي نراها اليوم، وبعد الفطور وجبة الغداء التي تتكون من الأرز واللحم والمرق وكذلك العشاء وأما النوم فلكل طالب سرير فخم لنفرين مع مرتبة فخمة وهو ما يسمى الآن النوم العالي «Sleep High» وبطانيتين ومخدتين وكسوة شتوية تتكون من ثوبين وفانيلتين وسروالين وشماغين وأربعة جوارب ونوعين من الحذاء أكرمكم الله وما يماثل ذلك صيفاً فقط اختلاف الغتر، وهناك أناس يقومون بالغسيل، كما أن هناك من يقومون بالطبخ وإحضار المياه إذ لا يوجد في ذلك الوقت شبكة للمياه بالمدينة.
وهناك نظام دراسي يتكون من العلوم الشرعية واللغة والخط والحساب يبدأ من الصباح الباكر حتى آذان الظهر وكان هناك معلمون مخلصون يعلمون كافة المواد المذكورة، وبعد انتهاء اليوم الدراسي تتم تأدية صلاة الظهر حيث للمدرسة إمام خاص ومن ثم تناول طعام الغداء وبعد ذلك الراحة حتى صلاة العصر وبعد الصلاة إلى المغرب هناك بعض الأنشطة المختلفة والتي تحتوي على النشاط الرياضي والثقافي والتمثيلي إلى المغرب وبعدها العشاء ثم صلاة العشاء ثم النوم وهكذا دواليك الخروج من المدرسة عصر الخميس لزيارة الأهل لمن يرغب والعودة اختيارية إما مساء الجمعة أو صباح السبت والجلوس بالدار يعتبر أعلى ترفيه من جميع النواحي، تعاقب على الدار مديران فاضلان -رحمهما الله- ومجموعة من المعلمين الأفاضل كما ذكرت رحم الله المتوفي منهم وأطال الله في عمر الحي على طاعة الله، وهناك الطباخون والغسالون ومراقبو الليل والنهار والحراس ومحضرو المياه والفراشون وإمام الدار رحم الله المتوفي وأطال في عمر الحي على طاعة الله. استمرت هذه الدار ثلاث سنوات وبعدها صدر قرار بنقلها وما يماثلها للمدن الكبرى لظروف طارئة كالرياض والدمام وجدة ومكة وغير ذلك وأعطي الخيار للطلاب والموظفين رغبة الانتقال من عدمه وكان نصيب دار الأيتام بالزلفي الانتقال إلى مدينة الرياض، انتقل غالبية الطلاب وأنا منهم وكذلك الموظفون وقد واصل غالبية الطلاب تعليمهم وتقلدوا في الدولة مناصب عليا وبالمناسبة أسماء كافة المعلمين والموظفين والطلاب معروفة لديَّ اللهم ارحم المتوفي منهم وأبحه والأحياء منهم اللهم أطل أعمارهم على الطاعة وأبحهم آمين.
هذا ملخص بسيط ومعلومات عن دار الأيتام بالزلفي التي تعد من فضائل الملك سعود -رحمه الله- على أبناء شعبه كما هناك كثير من الفضائل الكثيرة التي عملها رحمه الله بعد الله لإسعاد شعبه وترفيههم في التعليم والصحة والطرق والمساعدات الإنسانية والضمان الاجتماعي وغير ذلك كثير وتفقده لأحوال شعبه بنفسه، حيث زار الزلفي مرتين في وقت لم تكن الطرق متوفرة كما هي الآن. رحم الله الملك سعود وإخوانه ووالديهم ووالدي ووالديكم جميعاً والمسلمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...