د.بكري معتوق عساس
اختار الله سبحانه مكة المكرمة من بين المدن واصطفاها وجعلها خير بلاد الأرض، تهفو إليها القلوب، ويتوجه لها المسلمون في صلواتهم وعباداتهم. هي موطن العبادة والإنابة، فيها أول بيت وضع للناس. واختار الله سبحانه المملكة من بين دول العالم لرعايتها والعناية بها ومرتاديها، فلم تقصر رعاها الله، فصرفت الأموال الطائلة في عمارتها منذ المؤسس رحمه الله وأبنائه من بعده، سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. يحج إليها سنوياً لتأدية فريضة الحج أكثر من ثلاثة ملايين في وقت ومكان واحد، وفي أحضان تجمعات كبيرة كهذه تنتشر عادةً الأمراض المعدية، وتجد لها بيئة مناسبة للتكاثر والانتشار. وبالنظر لأهم العوامل المسببة لانتشار الأمراض تدني مستوي الوعي والظروف المعيشية في الكثير من البلدان التي يأتي منها الحجاج. وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى تدني الوضع الاقتصادي لمعظم الدول السبع والخمسين ذات الأغلبية الإسلامية؛ فقرابة 40 % من سكان تلك الدول يعيشون تحت خط الفقر، وهذا بدوره يلعب دوراً كبيراً في انتشار الأمراض المعدية بين الحجاج والمواطنين على حد سواء. وتشير الإحصائيات الاقتصادية العالمية، أن أكثر من 43 % من سكان إندونيسيا البالغ عددهم 253 مليون نسمة دون خط الفقر، وحوالي 50 % من دولة باكستان ذات 185 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، وتزداد تلك النسبة لنيجيريا ذات عدد سكان يساوي 179 مليوناً لتصل إلى 82 %، وبنجلادش بعدد سكان يعادل 160 مليون نسمة وجد أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر فيها يصل إلى 75 %، وحسب نفس المصدر فإن معظم دول العالم الإسلامي في الصحراء الكبرى تتفاوت النسبة بين 60 % إلى 80 % من السكان الذين يعيشون دون خط الفقر. وفي نفس السياق نجد أن هناك الكثير من الأمراض المعدية التي تنتشر بين الدول الإسلامية التي تقع في مدار السرطان أو المدار الشمالي والتي تسمي بالدول المدارية، منها الملاريا والسعار والحميات الفيروسية مثل حمى الضنك والصفراء والوادي المتصدع وغيرها. وتاريخياً سُجِلَت عدد من الكوارث في الماضي بسبب تفشي الأمراض خلال موسم الحج، فعلى سبيل المثال تفشي الكوليرا في حج 1983م، وحمى الضنك في حج 1994م، والوادي المتصدع في حج 2000م، الذي أصاب البشر والماشية. هنا تظهر الجهود الكبيرة التي يقوم بها مسؤولو وزارة الصحة السعودية، حمى الله المملة من كل سوء ومكروه.