عطية محمد عطية عقيلان
تحرص المجلات الاقتصادية والمحطات في كل عام على نشر قائمة الأثرياء في العالم التي تشهد تغيرًا طفيفًا في ترتيب الأسماء وزيادة أكبر في مقدار الثروات بمليارات الدولارات، وتركز على مدى براعة بعضهم في الدخول في فرص وأسهم حققت لهم عوائد مجزية متناسين أن هذه الفرصة محدودة وتعرض على فئة محددة معينة من الناس، وتترجم مقولة مشهورة ذلك للممثل الأمريكي بوب هوب «المصرف هو المكان الذي سوف يقدم لك المال إذا كنت تستطيع أن تثبت أنك لا تحتاجه». وأيضًا نتغافل عند رواية قصص نجاح الأغنياء أنهم مروا بعثرات وتحديات وخسائر لكنهم تجاوزوها وأحيانًا لم يكن هناك خيار آخر غير ذلك، ولكنها أصبحت تُحكى بفخر عند ذكرهم بمدى جديتهم وتعبهم لأنهم نجحوا، مع لوم ونقد وتشهير بمن مروا بالتجارب نفسها أو مقاربة لها ولكنهم لم يستطيعوا أن ينجحوا فأحيانًا لا تتاح لهم فرص ودعم مماثلان وتذكرنا بمقولة الأمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء».
لذا أذكّرك بأن المال وسيلة مهمة للسعادة، ولنجتهد لتحقيق ذلك بأفضل طريقة ممكنة وبأمانة، ولنكن متسلحين أثناء إنجاز ذلك بمعايير الجد والاجتهاد والمثابرة والتفاني، ولا ننسى العطاء بما نستطيع وفق إمكانياتنا لأن ذلك يسهم في بركة العمل والجهد الذي نقوم به. وتحضرني مقولة جبران خليل جبران: «هناك ناس فقراء جدًا، لا يملكون سوى المال».
ويمكن أن يكون هناك تصنيف لعلاقة الإنسان بجمع المال على النحو الآتي:
- من يجمع المال ويصرفه في احتياجاته ومتطلباته. وهذا سيستمر من ذوي الدخل المحدود ويتأثر من أي ظرف أو طارئ يتعرض له، وسيضطر للاستدانة من الآخرين.
- وهناك من يجمع المال ليصرفه على احتياجاته الأساسية ويدخر قدر ما يستطيع، لكي لا يحتاج إلى أحد عند وقوعه في ظرف خارج الحسبان، وكما يقول المثل الصيني «الرجل الذي يدخر يصبح رجلاً حُرًا».
- وهناك من يصرف ويدخر ويستثمر جزءًا من مدخراته في التجارة لينمي دخله وقد تصل به إلى حد الاكتفاء ويعتبر من الأشخاص الأذكياء في التعامل مع دخله.
- أما أفضلهم وأكثرهم سعادة وراحة فهو من يجمع المال بأمانة ويصرفه على حاجاته ومتطلباته ويدخر جزءًا منه، ويستثمر جزءًا، ويكون هناك جزء من ماله مخصص في عمل الخير ومساعدة الآخرين ومد يد العون للقريب والزميل ويكون دومًا سببًا في تفريج كربة أحدهم.
مع الوضع في الاعتبار أن قصص النجاح والحياة المثالية هي وصفة ليست سهلة ومتاحة يمكن تطبيقها لتحقيق ذلك، ولكن هناك صفات تجمع أغلب من نجحوا وتميزوا في حياتهم منها: ذكرهم دومًا لأصحاب الفضل والمعروف في نجاحهم وحياتهم، مع حبهم للعطاء والخير ومساعدة القريب والبعيد وتجد لهم دورًا في دعم جمعية أو نشاط، أو متفوقين لتحقيق طموحهم مع أثر النعمة عليهم في حياتهم وتصرفاتهم، بل إن كثيرًا منهم يخفي ما يقوم به من عمل خير مساعدة ودعم وينشر أحيانًا من الجهات التي يدعمها من باب شكرهم وتحفيز الآخرين، لذا يجب علينا تذكر كل من أسدى لنا معروفًا أو قدم دعمًا، وأن لا نبخل على غيرنا من كل دعم ومساندة ممكنة ويكون عملنا خالصًا لوجه الله وبدافع ديني وإنساني، وبتجربة متواضعة بأن قضاء حوائج الناس ومساعدتهم لهما لذة ومتعة تشعرك بالرضا والسعادة والإنسانية والحياة، وكما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
وَاشكُر فَضَائِلَ صُنعِ اللهِ إِذ جُعِلَت
إِلَيكَ، لَا لَكَ عِندَ النَّاسِ حَاجَاتُ
قَد مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَت فَضَائِلُهُم
وَعَاشَ قَومٌ وَهُم فِي النَّاسِ أَموَاتُ