د.علي بن محمد القحطاني
بدأت العديد من تطلعات المستقبل في رؤية المملكة 2030 تتضح معالمها من تطويع للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وعقول وسواعد شباب هذا الوطن في تحقيقها ولنأخذ برنامج الحج والعمرة في هذه الرؤية إنموذجاً.
وكيف أن واضعي الرؤية استفادوا من جائحة كورونا في تسريع وتيرة تحقيقها، ففي الماضي القريب كانت العمرة في العشر الأواخر من رمضان تتطلب جهداً لا يتحمله إلا الشباب وفيها من المشقة الشيء الكثير للازدحام الشديد، أما حالياً ومن أدى هذا المنسك العظيم سيجد البون شاسعاً وكل شيء مخطط له مسبقاً من خلال التطبيق الإلكتروني ويسير حسب الخطة الموضوعة له من الجهات المختصة والتي اهتمت بأدق التفاصيل فحالياً وحتى اكتمال منظومة النقل العام في مكة والتي تسير مشاريعها على قدم وساق تم إقصاء المركبات الخاصة من دخول المنطقة المركزية والاكتفاء بحافلات حديثة خصصت لنقل المعتمرين والمصلين من محطة القطار أو المواقف المخصصة لهم إلى الحرم الشريف جهزت لتوفير قواعد التباعد الجسدي بين المقاعد وجهزت نقاط فرز شبه إلكترونية للتأكد من التصاريح وبطبيعة الحال تحديد زمن الوصول، وفي الطواف كان وجود العاملين والمتطوعين ملحوظاً وجهدهم ملموساً بما فيهم رجال ومتطوعو الصحة في جميع أرجاء الحرم، ومن دواعي الفخر والاعتزاز والاستغراب هذه الأعداد الكبيرة من الشباب السعودي العاملين والمتطوعين في خدمتنا، أما مجال الاستغراب هنا أن الشباب يحتاج عادةً لفترات ليست بالقصيرة لتدريبهم وتأهيلهم للمهارات المطلوبة في أصول الحوار وفن التعامل وسبل الإقناع أوأنهم جبلوا على ذلك، وأن الأمر احتاج فقط لعقد دورات قصيرة لصقلها، وهذا ما أتوقعه فعلاً، فالشباب السعودي كان في الموعد وأظهر الإجادة في العمل والإخلاص في الأداء وحسن التعامل والإلمام بمهارات التواصل الفعال ما أبهر العالم وكان دور العاملين في صحن الطواف المحافظة على مسافات التباعد وإرشاد الطائفين للمسارات المحددة وفك والتنبؤ بأي تجمع ممكن حدوثه.
وبعد انتهاء الطواف وبتنظيم متقن يجد الطائف نفسه قد خرج من صحن الطواف وأصبح في المسعى كل هذا التنظيم وهذه الإشادة لجهود المملكة في مواجهة كورونا ليست سوى قمة جبل الجليد ويخفي تحته الجبل بكامله بما فيه من بذل غير مسبوق وتضحية بلا حدود وعطاء غير ممنون واهتمام معهود على كافة المستويات وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ومعالي وزير الصحة وزملاؤه وزراء بقية الجهات المشاركة والعاملون معهم، وفي هذه الجزئية موضوع المقال نذكر كلا من وزارة الداخلية إمارة منطقة مكة المكرمة الأمن العام، الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، والرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، الجمعيات الخيرية، أما بقية الجهات فهم بحق الغائب الحاضر في كافة الجهود.
قد تكون المصائب عطيّة من الله في ثوبِ بَليّة وبفضل الله تم استغلال هذه الجائحة خير استغلال فأصبحت بإذن الله منحة في رداء محنة وما أتمناه الاستفادة من هذه التجربة الناجحة بكل المقاييس في مواسم العمرة بعد زوال هذه الجائحة بإذن الله بل وفي مواسم الحج أيضاً فالحاجة أصبحت ماسة وملحة أكثر من أي وقت مضى لمواكبة رؤية المملكة 2030 والتي تسعى المملكة من خلالها إلى المضي قدماً في تطوير الأنظمة تماشياً مع أهداف الرؤية، وهي ماضية في خطتها لاستقبال 30 مليون معتمر بحلول عام 2030، عطفاً على التوسع في الخدمات المقدمة للحجاج سنوياً، وقد جاءت هذه الرؤية لتقدم إستراتيجية متكاملة لتطوير منظومة الحج والعمرة، يتم من خلالها إتاحة الفرصة لعدد أكبر من المسلمين في تأدية مناسكهم وما سيترتب على ذلك من زيادة الطاقة الاستيعابية وتوفير وسائل مواصلات سريعة مثل قطارات الحرمين والمترو مما يستوجب التعمق في علم إدارة الحشود وتطبيقه فنحن من الدول المتقدمة جداً في هذا المجال.
ومن إرهاصات تحقيق هذا الأمل استخدام شؤون الحرمين تقنية التايم لابس (Time Lapse) نظام التصوير الفوتوغرافي، الذي يعتمد تقنية اختزال الزّمن لمراقبة تفويج المعتمرين أثناء دخولهم المسجد الحرام، والطواف بالكعبة المشرفة، وتوجيههم للمسعى لقياس حركة التضخم أثناء تنقلاتهم ومن خلال تحليل الصور والفيديوهات التي استخدمت فيها هذه التقنية استُحدثت مداخل ومخارج، واستخدمت مسارات جديدة خاصة لذوي الإعاقة وكبار السن وهذا ما نحتاجه في المراحل القادمة.
وأنه تم تفويج أكثر من 19 مليون مصل ومعتمر خلال ثمانية أشهر. كل ذلك يؤكد أن واضعي هذه الرؤية كان لديهم إدراك واسع المدى بتحديات الحاضر الراهن ومتطلبات المستقبل المنظور للنهوض بالمملكة وصولاً بها إلى مكانتها الدولية والإقليمية التي تستحقها كدولة رائدة وفاعلة إقليمياً ودولياً. وتؤمن بأن عليها أن تضاعف جهودها لتبقى رمزاً لكرم الضيافة وحسن الوفادة.
وأتمنى أن تدرس الجهات المختصة استخدام المواد الصديقة للبيئة في تغليف الوجبات وعبوات مياه الشرب ومياه زمزم من أجل بيئة مستدامة.