د.جيرار ديب
يقول مالكوم إكس، الناشط السياسي الأميركي، «إن وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض...لأن لديها القدرة على جعل المذنب بريئًا وجعل الأبرياء مذنبين، فهي السلطة الأهم لأنها تتحكم في عقول الجماهير».
يلعب الإعلام دورًا في صناعة الانتصارات والهزائم عند الدول المتصارعة، فكيف إذًا الحال في ظلّ إعلام اليوم؟ ونحن نتحدث عن عولمة إعلامية اخترقت الحدود وقصّرت المسافات وسرّعت الوقت، والأهم أنها باتت متاحة للجميع لا سيما عبر الهواتف الذكية، التي تنقل الحدث بلحظته وتنشره على تطبيقات الشبكة العنكبوتية ليصل إلى ملايين من الناس، فيتأثرون بما يرونه ويغيّرون في الحدث.
مرّت الحروب العربية الخمس الكبرى مع إسرائيل (1948 النكبة، العدوان الثلاثي على مصر 1956، النكسة 1967، حرب أكتوبر 1973، اجتياح بيروت 1982)، بدون إعلام يليق بحجم هذه الأحداث، ويقدم وجهة النظر العربية، ويعبئ الجماهير كما هو معمول في السياسات الإعلامية للدول، لا سيما تلك التي خاضت نضالًا ضد الاستعمار.
لطالما كان الإعلام الصهيوني بمثابة السلاح الرئيسي في حربه مع العرب، فبينما كانت إسرائيل تدرك أهمية الإعلام في التأثير على الرأي العام العالمي، كان العرب لا يعيرونه اهتمامًا. بغض النظر عن الهزائم التي كانوا يمنون بها. فقد مهد الإعلام العربي الأرضية المناسبة لحرب العدوان الثلاثي وللهزيمة فيها، عندما جعل من حرب السويس عام 1956 انتصاراً شخصيًا لجمال عبد الناصر، فيما المطلوب كان الإضاءة على قدرة التصدي للعدوان، بالدعم الشعبي والتحالفات الدولية، كي يدرك المواطن العربي أنه قادر على تحقيق النصر حتى لو كان عدوه قويًا.
أما في حرب النكسة عام 1967، فقد استغلت إسرائيل الدعاية، لتؤثّر على يهود الداخل والشتات لإعادة شدّ روح القومية اليهودية إلى وعيهم. وذلك بعدما شعرت أن روح الدفاع عن القومية اليهودية العالمية تجاه دعم دولة إسرائيل قد ضعفت، وأن مشاعر الحرص على أرض الميعاد قد خفتت في نفوس اليهود؛ إذ دعت إسرائيل لإقامة مؤتمر شبابي يهودي، وهو مؤتمر سنوي، عبر العالم في مايو -أيار من عام 1967، أي قبل النكسة، بهدف دعم الدولة الإسرائيلية. إلا أن المفاجأة كانت أنه من أصل 140 جمعية يهودية لم يأت سوى اثنتين. حينها أدرك زعماء إسرائيل الخطر المحدق على الوجود الكياني لدولتهم، لذا عمدوا إلى استغلال الدعاية بعبارة «رمي العرب لإسرائيل في البحر»، ونسبتها إلى خطاب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مذكرةً بذلك ما حلّ باليهود الألمان، كي تحاكي الوعي القومي عندهم، فنجحت باستقطاب الرأي العام اليهودي، وهرعوا إلى فلسطين لنجدة دولتهم من « هولوكوست» أي محرقة جديدة بحقهم كما يزعمون.
اللافت أن عبد الناصر لم ينطق بهذه العبارة بتاتًا، رغم أنه هاجم هذا الكيان مرارًا وتكرارًا، لكن من أطلق هذه العبارة، كان أحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في خطابه في آخر مايو 1967، بعد إغلاق المضائق قائلًا: «سنرمي إسرائيل في البحر».
لم يعد الإنسان العربي اليوم يمتلك حجة أنّ إعلام العدو أقوى في نقل الخبر ونشر المعلومات المغلوطة. فالكل قادر على لعب دور المراسل، بالوسائل المتاحة بيده ليشارك في تحقيق النصر والانتصار في معركته. فزمن الهيمنة الإعلامية والاستئثار بنقل الخبر بما يتناسب مع مصالح إسرائيل قد ولّى، في ظل إعلام تكنولوجي لم يعد محصورًا عندها، بل أصبح موجودًا عند أغلبية ساحقة من الناس.
إن وسائلنا الإعلامية تطورت أيضًا وتنوّعت، لتصبح سلاحًا خفيًا يظهر الحقيقة التي يعمل على طمسها إعلام ودعاية إسرائيل. والأهم أنّ الأغلبية الساحقة من وسائلنا الإعلامية توحّدت حول القضية الفلسطينية، وحاكت الآخر عن مجازر العدو بحق الفلسطينيين، وتدميره لمقدساتهم.
تلعب الصحافة العربية المكتوبة والإلكترونية، دور سلاح الفكر والقلم في الدفاع عن فلسطين وقضاياها، والعرب وقضاياهم، من خلال نشر الحقيقة ونقلها للعالم وفضح جرائم العدو، وإبراز هزيمته في معركة غزة وفلسطين، في وقت كان هذا العدو يتفنن في تحويل نفسه من الجلاد إلى الضحية لاستقطاب الرأي العام، ولكي يبرر جرائم آلاته العسكرية، إذ قبل معركة غزة الأخيرة، كان إعلام إسرائيل يملأ فضاء العالم تزويرًا للقضية الفلسطينية، مظهرًا أن الطفل الفلسطيني الذي يرشق الدبابة بحجر هو الإرهابي، بينما الجندي داخلها يدافع عن نفسه فقط. زمن هذا الإعلام قد طوى الدهر عليه صفحته، طالما هناك إعلام حرّ يجاري التطور العولمي لمساندة المقاومة في دفاعها عمَّا سُلب منها.
أخيرًا، أدرك العدو قبل غيره، أنه بات للعرب سلاح فعاليته لا تقلّ أهمية عمَّا يمتلكه هو من سلاح تدميري، يستخدمونه لكشف نواياه في الاحتلال. كما أنّ لهذه الوسائل القدرة على التأثير في الرأي العام لممارسة الضغط على العدو وإيقاف عدوانه. استغل العرب النظام العولمي الإعلامي، ليجعلوا من وسائلهم سلاحًا يضعونه في وجه كل من يريد الاعتداء على حقوقهم، لذا سيبقى النصر حليفهم.