سعود بن عبداللطيف آل الشيخ
من التحديات التي تواجهها كيانات اليوم بشكل مستمر هي كيفية دمج المواهب الشابة المميزة بشكل ناجح في القوى العاملة لديها، والبقاء في الطليعة في ظل متغيرات الأسواق. فهناك الكثير من المواهب الشابة والمتميزة، وإن لم تحظ بسنوات خبرة عديدة، متمكنة من الإضافة بشكل فعال. ولكن دومًا ما نرى أن أغلب الوظائف القيادية، وبالذات في المستويات العليا تتطلب وجود عدد معين من سنوات الخبرة. ومن جانب آخر، حتى التنفيذيون الكبار الذين يبذلون جهدًا في البقاء على الاطلاع على آخر المستجدات يواجهون صعوبة في عمل ذلك بشكل مستمر، وقد يؤدي ذلك إلى فوات اغتنام فرص جديدة من الممكن أن تغفل عنها القيادات العليا. فكيف من الممكن مواكبة التغييرات والتطورات المستمرة في السوق بالإضافة إلى استغلال المواهب الشابة وتفعليها والاستفادة منها في دعم القيادات العليا بشكل مناسب؟
الجواب قد يكون في مجالس الظل، التي تعد مفهومًا جديدًا في الحوكمة حيث يتم تشكيل مجلس من مجموعة من الموظفين غير التنفيذيين، من أصحاب المواهب الشابة والكفاءة العالية من اختصاصات مختلفة، للعمل مع الإدارة العليا في المبادرات الاستراتيجية واقتراح الحلول المبتكرة لمواجهة تحديات السوق المستمرة. وهذا يساعد الكيانات على حل مشكلتين رئيسيتين، هما عدم الاستفادة من المواهب الشابة والمميزة بشكل فعال لديها وعدم القدرة على مواكبة ظروف السوق المتغيرة. فمهما كانت الحوكمة في أي كيان تتمتع بمرونة في سبيل تفعيل روح المبادرة للعاملين فيها، فلا بد من وجود درجة من البيروقراطية والإدارة المركزية التي قد تقف عائقًا في طريق التجديد والابتكار، وخصوصًا في الكيانات الكبيرة التي تتعدد فيها الإدارات التنفيذية. لكن ماذا لو قررنا أن نجعل لمجلس الإدارة في هذا الكيان مجلس ظل يعمل باستقلالية ويتصل بشكل مباشر مع مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي.
نشرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو مقالاً تعرض فيه تجارب بعض الشركات في تطبيق فكرة مجالس الظل لتقديم التوصيات لمجالس الإدارة لديها حول انتهاز فرص استثمارية جديدة، واقتراح الحلول لبعض المشاكل التي تواجهها هذه الشركات وخصوصًا فيما يتعلق بمواكبة اهتمامات الفئة الشابة من المجتمع بما يعود عليها إيجابيًا من الناحية الاقتصادية. وكان وجود مجلس الظل مهمًا في تقديم توصيات مبتكرة وذلك بالتركيز على تقديم الاقتراحات والحلول بغض النظر عن القيود الإدارية والمالية الداخلية في الشركة، والذي بدوره كان سببًا في الدخول لأسواق جديدة وتطوير الخدمات المقدمة مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في المبيعات، بل إن فاعلية وأداء مجلس الظل فاقا التوقعات في معظم الأحيان.
وانتهى المقال إلى وضع عدة توصيات بشأن أفضل الممارسات في بناء مجالس الظل من أجل أن ينجح في تحقيق أهدافه، هي أن يتم اختيار أعضاء مجالس الظل بناءً على ترشيح ذاتي وليس بترشيح من القيادات العليا، فمن الصفات المهمة في أعضاء مجالس الظل أن يكون لديهم روح المبادرة والرغبة في الإضافة وهذا يعطي كذلك فرصة متساوية لإظهار المهارات والإمكانيات التي قد لا تظهر من خلال ممارسة مهام العمل اليومية. إضافة إلى ذلك، لا بد من وجود دعم عالٍ من القيادات العليا في تمكين مجلس الظل من أداء عمله. وأخيرًا أهمية وجود المرونة الكافية في تطوير حوكمة مجالس الظل بشكل مستمر بناءً على التجارب الناجحة وتطبيق أفضل الممارسات لكي يقوم مجلس الظل بالدور المناط به بفاعلية.
وبالرغم من أن تجارب تطبيق مجالس الظل متركزة في القطاع الخاص إلا أني أرى أنه من الممكن تطبيقها بشكل فعال في القطاع الحكومي أيضًا. فبعض الكيانات الحكومية تكون حوكمتها مشابهة للشركات (كوجود مجلس إدارة ورئيس تنفيذي أو محافظ)، بحيث يكون تأسيس مجالس الظل مناسبًا فيها بما يستغل المواهب والقدرات الشابة لديها بشكل لا يتعارض مع الحوكمة المعتادة، والطبيعة البيروقراطية المعهودة في الجهاز الحكومي. وقد يكون ذلك مهمًا وخصوصًا في الجهات الحكومية المنظمة للقطاعات التي يتطلب فيها النظر بشكل مستمر لآخر التطورات التقنية (كالهيئة السعودية للفضاء وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات) أو الاتجاهات الثقافية (كهيئة الأفلام وهيئة المسرح والفنون الأدائية) بحكم طبيعة اختصاصها. وبما أن منهجيات الحوكمة من الأمور دائمة التغير لضمان تطبيق أفضل الممارسات، فقد نرى بالفعل قريبًا شركات سعودية، أو حتى جهات حكومية، تتبنى فكرة مجالس الظل لمواكبة آخر المستجدات في القطاعات التي تعمل بها واستغلال وتمكين المواهب المتميزة لديها بشكل فعال.