عبدالرحمن الحبيب
في برنامج واقعي يتتبع ثروات الأزواج في أمريكا القادمين بتأشيرات K-1 التي تشترط على الفرد أن يتزوج في غضون ثلاثة أشهر أو يغادر البلاد.
العديد من الرومانسية في العرض مهلهلة، لكن الأزواج - والمشاهدين المتسمرين أمام الشاشة - يعرفون أنه ما لم يرتبطوا بعقد رسمي في الوقت المناسب، فإن الترحيل ينتظرهم. البرنامج عنوانه «خطيب 90» ويعد واحداً من أكبر الأعمال الناجحة في السنوات الأخيرة على شبكة ديسكفري التلفزيونية حسب تقرير مجلة الإيكونيميست الذي سيتناوله هذا المقال.
شركة ديسكفري أعلنت قبل أيام أنها ستشكل زواجًا ضروريًا خاصًا بها، حيث انضمت إلى شركة ورنر ميديا (WarnerMedia) التي ستنفصل عن مالكها أي تي آند تي (ATالجزيرةT) عملاق الاتصالات. الشركتان ستشكلان معًا ثاني أكبر شركة إعلامية في العالم من حيث الإيرادات، بعد ديزني.. إذ كانت إيرادتهما مجتمعتين نحو 41 مليارا مقابل 65 مليارا لديزني عام 2020. وهم بذلك يأملون أن يسمح لهم هذا الحجم بالبقاء على قيد الحياة في معركة وجودية للمحافظة على المشاهدين مع نهاية الحجر بسبب كورونا.
أثار الإعلان بالفعل تكهنات بشأن المزيد من عمليات الاندماج، حيث تسعى الشركات الإعلامية المذعورة إلى البحث عن شركاء قبل فوات الأوان الذي بالفعل فات البعض..
الذعر ينتاب الشركات الإعلامية مع بدء الانفتاح ما بعد عمليات الإغلاق بسبب كورونا، إذ وفرت عمليات الإغلاق في عام 2020 جمهورًا مقيّدًا في المنزل أكثر من أي وقت مضى، وزاد معه إجمالي وقت استهلاك الوسائط الاجتماعية بنسبة 12 في المائة بين الربعين الثاني والرابع من العام الماضي، كما اشتركت الأسرة الأمريكية المتوسطة في أربع خدمات بث، وفقًا لمسح شمل تسع دول أجرته شركة أبحاث MIDiA، وهي شركة تحليل بيانات. لكن مع انفتاح العالم، سيقضي الناس وقتًا أقل أمام الشاشة الإلكترونية أو التلفزيونية، حيث تقلص إنفاق المستهلكين على وسائط الفيديو بنسبة 2 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول، وفقًا لـGroupM، وهي شركة عملاقة في مجال وضع الإعلانات نيابة عن العملاء.
في الأسابيع الأخيرة، حصلت كل من نتفلكس وديزني، وهما من رواد البث المباشر، على أقل من التوقعات الخاصة بنمو عدد المشتركين.
للوهلة الأولى، فإن اندماج وارنر وديسكفري يبدو غريباً وزواج غير متكافئ، فالأول متخصص في المسلسلات التلفزيونية الفانتازية والأفلام عالية الجودة، مثل مسلسل لعبة العروش «Game of Thrones» أو الفيلم الملحمي غودزيلا ضد كونغ (Godzilla-Kong)، بينما تقدم ديسكفري برامج واقعية رخيصة الأجرة. ومع ذلك، فإن برامجهما المتباينة وكميتها الهائلة، ستساعدهما في جذب جمهور أوسع. كان مبلغ 19 مليار دولار الذي أنفقته الشركتان على المحتوى العام الماضي أكثر من كل من ديزني ونتفليكس. ستتمتع الشركة المندمجة بأكبر حصة من مشاهدي الكابلات الأمريكية، حيث استحوذت قنواتهما على 29 في المائة من وقت المشاهدة العام الماضي، وتتوقع توفير ثلاثة مليارات دولار في العام من التكاليف، وفقًا لشركة موفت ناثاونسن MoffettNathanson وهي شركة أبحاث.
قد يكون حفل هذا الزواج القسري بين الشركات محرجًا، لكنه ضروري؛ فالمنافسة في البث شرسة الآن وهي على وشك أن تصبح أكثر حدة. للمنافسة في هذه البيئة، كما يقول مايكل ناثانسون من شركة موفت ناثاونسن، تحتاج خدمة البث المباشر إلى أربعة أشياء: انتشار محلي، ومحتوى عالي الجودة، وميزانية عمومية مرنة لدفع ثمنها، وللمساعدة في توزيع التكاليف، والقدرة على التوسع دوليًا. هاتان الأخيرتان عانت منهما إي تي آند تي لذا فإن صفقة ديسكفري تساعد على معالجة هاتين المشكلتين حسب ناثانسون الذي يقول إن هذا يكسب الشركة المندمجة مكانًا في الطبقة العليا من شركات البث، إلى جانب نتفليكس وديزني وأمازون.
أين يترك ذلك باقي الشركات الإعلامية الضخمة؟ البعض يتدافع لتشكيل اندماجات خاصة بهم؛ ففي نفس اليوم الذي تم فيه الإعلان عن صفقة وارنر ديسكفري، أعلنت اثنتان من كبريات المحطات الفرنسية وهما تي في ون وإم سكس (TF1، M6)، أنهما ستتوحدان، موضحين أنهما يمكنهما معًا التنافس بشكل أفضل مع قنوات البث الدولية.
كما يتوقع المزيد من الاندماج في أوروبا، ففي بريطانيا يتوقع اندماج أحد قنوات بي بي سي مع آي تي في البريطانية ومع إحدى قنوات مجموعة أوروبية وهي «تي في ناو»، باعتبارها خدمات ستتطلب استثمارات أكبر بكثير إذا أريد لها أن تكون قادرة على المنافسة.
مثل ذلك الدمج او الزواج القسري يجري بين الشركات الأمريكية الأكبر.. لكن أيا من هذه الأصول وحده ليس من شأنه أن يساعد الشركة على القفز إلى النطاق العالمي كما تقول الإيكونيميست.. أولئك الذين لم يرتبوا بالفعل زواجهما بشكل ملائم قد يواجهون ما يعادل الترحيل غير الرسمي مثلما يواجهها القادمون لأمريكا بتأشيرات K-1، إما الزواج خلال ثلاثة أشهر أو الترحيل من البلاد.. صفقة الدمج بين وارنر وديسكفري تشكل علامة إرشادية على تغيرات قادمة في مستقبل البث العالمي.. تقول إنه للنجاة في بحر الإنترنت، على الشركات الإعلامية الاندماج.. إنه الدمج من أجل البقاء..