تسري في قلبي نفحات من السعادة المنعشة وأنا أنظر لهذه المرأة المتقدمة في السن.. لطالما أعجب الجميع بها ونظر لها بعين الانبهار لشخصيتها المميزة.. رغم علامات العمر وتضاريس الزمن وخطوطه البادية على سحنتها.. تبدو قوية كفتاة لم يمض عليها شقاء وعناء.. تُدندن بأنشودة جميله من ثقافتها:
ماذا تبقّى ولم يبق
ما عدت أعرف متى صبحي
البلاد بعيدة والقمر خلفي
يا سكون الليل اسمع همسي
ماذا تبقّى ولم يبق
ما الذي يجعل شخصاً في كل هذه الظروف الصعبة التي تحيط به يتوقد سعادة يقوم بواجباته برضى تام وسعادة بالغة؟..
تنبهت العمة فاضلة لوجودي، وأنا أنظر لها من خلف زجاج مكتب مركزهم.. رفعت (عينيها العجوزتين) إلي وابتسمت ولوحت بيدها لي، أرادت إنهاء فضولي البشري.
تمدّ الخطوات نحوي، ألمح شيئًا مضيئًا متوقدًا في وجهها يوحي بأنني أمام إنسانة مختلفة، ليس بوسع من عرفها نسيانها.
قالت: جئت من قريتي التي تبعد آلاف الكيلومترات عن هنا، لا أملك شيئا، والآن لا أملك سوى أجرة يومي يا بنتي وجد الإنسان في هذا العالم الكبير وهو يعيش تجربة الحياة وحده برفقة مصاعب ومصائب وابتلاءات لا حصر لها، ومواجهتها حتمية على عاتقنا، نحمل عبئًا يلازمنا ويلزمنا وبين الحين والآخر تومض الحياة لنا ببريق من السعادة جرعات من القوة تساعدنا على الاستمرار، إنه الأمل.. يخفف قسوة الأيام والحلم يهون مرارتها. تحقيق الآماني والامال ما نبحث عنه وليست بالضرورة يا بنتي أن تكون الأمنيات فقط مربوطة بشيء مادي ملموس، ربما تأتي أحلامنا في غير زمانها ومكانها وقد لا تأتي على الإطلاق بأن لا نراها أو نجدها أبدًا، إنه القدر ومفارقاته العجيبة في حياتنا، نُخطط وننسج الأحلام نرسم في مخيلاتنا صوراً لما نحب ونرغب ثم نهبط من سمائنا إلى أراضي الواقع القاحلة ثم نعود نكرر ونبدأ ندور من جديد، وعند نقطة الأمل أو اليأس يحاول أغلب البشر التأقلم مع وضعهم الذي وصلوا إليه. يا بنتي يؤكد القدر حضوره دائماً نسأل الله ان يرزقنا الرضى والقناعة كل حين.
نعم يا سيدتي هي بالفعل كذلك!
أعلّلُ النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ
«ضوء»
في الهدوء نعيم وفي الصمت حياة وما بين الاثنين تفاصيل لا أحد يدركها
- محمود درويش -