خالد بن حمد المالك
أختلف كثيرًا مع تنظيم حماس الفلسطيني أيديولوجيًّا وسياسيًّا، وإن اتفقت معه في استخدام الصواريخ التي يملكها لضرب إسرائيل؛ فقد أثارت الرعب لدى الإسرائيليين ليس لأنه كان لها أثر موجع، كما هي الآثار المدمرة التي أحدثتها الصواريخ الإسرائيلية في غزة، وإنما لأن وصول الصواريخ (الغزاوية) إلى جميع مدن وبلدان إسرائيل هو تطور نوعي في مواجهة إسرائيل التي لم تعد من الآن في مأمن حتى مع وجود قبضتها الحديدية.
* *
كانت إسرائيل في كل حروبها مع العرب ومع الفلسطينيين تعتمد على تسليح أمريكا لها بأفضل أنواع الطائرات والأسلحة الحديثة المتقدمة، لكن الطائرات لم تعد اليوم وحدها هي مصدر القوة والتفوق الإسرائيلي مع ظهور الطائرات المسيَّرة، وقدرة الفلسطينيين على تصنيع الصواريخ العابرة إلى عمق الأراضي الإسرائيلية؛ بدليل عجز القبة الحديدية الإسرائيلية عن اقتناص بعض الصواريخ التي انطلقت من غزة، وتصريح نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بأن إسرائيل لا يمكنها أن تتصدى لكل هذا العدد من الصواريخ.
* *
لقد خرجت غزة من هذه الحرب بأفدح الخسائر في الأشخاص والدمار الهائل، على أمل أن تحرك هذه المعركة دول العالم للضغط على إسرائيل للعودة إلى استئناف مفاوضات السلام لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أن البوادر لا توحي بذلك؛ إذ إن الكلام يدور في الأوساط العالمية الفاعلة حول الانخراط في إعادة إعمار غزة، وتحميل الدول العربية الغنية الجزء الأكبر من النفقات لإعادة تأهيل قطاع غزة المدمر، ودون التطرق لحق الفلسطينيين في دولة لهم على أرضهم في فلسطين، وبشكل حرّك الخلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية.
* *
فهناك جدل تقوده أمريكا، مضمونه أن الأموال التي ستخصَّص لتعمير غزة لن تُسلَّم لسلطة حماس، ولن تكون طرفًا فيه، وأن التعامل في هذا الشأن سيكون مع السلطة الفلسطينية، وهو ما تعتبره حماس تسييسًا لهذا الدعم، ولن تقبل به، ولن توافق عليه، وكأن هذا الدعم -إن تم- سيكون بمنزلة شرارة لمزيد من الخلافات الفلسطينية- الفلسطينية، وقد تبدأ هذه الخلافات قبل أن تصل أي أموال لتعمير غزة، مع أن حماس لا يوثق بها لتسليمها الأموال المتوقعة.
* *
وهذه الحرب أفرزت -ضمن إفرازاتها- معطيات جديدة، ربما تخدم الاحتلال الإسرائيلي بأكثر مما تخدم القضية الفلسطينية، وأعني بذلك أن حماس مع تنامي القوة العسكرية لديها، وسيطرتها على قطاع غزة، ووجود إيران وتركيا وقطر داعمين لمشروعها، أصبحت في وضع قد لا يمكن استثناؤها من أي مباحثات تتعلق بالحل الشامل مع إسرائيل، وأن تصنيفها كمنظمة إرهابية ربما يكون قد سقط الآن بعد معركة غزة مع إسرائيل؛ ما يعني أن أي حل يتم التوصل إليه مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس لن يكون كافيًا دون موافقة ومشاركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى المعارِضة، ما يعني إبقاء موضوع الدولة الفلسطينية معلقاً بسبب حماس.
* *
وإذا أخذنا بالاعتبار أن هناك انتخابات فلسطينية قادمة ومستحقة، وأن الفوز المتوقع فيها سيكون لصالح تنظيم (حماس) والأحزاب الفلسطينية الأخرى المعارضة، وأن فرص تنظيم (فتح) أصبحت ضئيلة لكسب الأكثرية من الأصوات في منظمة التحرير الفلسطينية، بل تشكيل الوزارة، بما فيها رئاسة مجلس الوزراء، أدركنا أن الفلسطينيين أمام تحوُّل خطير بسبب حماس أيضاً، قد يفضي إلى إلغاء أي فرص للحل؛ كون أمريكا والدول الأوروبية لا تعترف بحماس، ولا تقبل أي تعاون معها، وكذلك تفعل إسرائيل؛ بدليل أن العدو الإسرائيلي رفض أن يصوّت المقدسيون في الانتخابات؛ وبالتالي أجَّلتها الرئاسة الفلسطينية إلى حين.
* *
إذًا، فالقضية الفلسطينية، وخيار الدولتين، وأن القدس الشرقية ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن من حق فلسطينيي الشتات العودة إلى وطنهم، ستظل تراوح مكانها، وأن الحل -إذا كان هناك من حل- هو في توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية، وإنهاء هذا التشرذم، والخلافات، والصراع على المراكز والوظائف القيادية؛ فعامل الوقت يسير لصالح إسرائيل في تهويد الأراضي الفلسطينية، واستكمال بناء الدولة اليهودية، والفلسطينيون ما زالوا في خلافاتهم، وبعضهم في خلافات مع الدول العربية، ويريدون دولة فلسطينية عاصمتها القدس بينما حماس لا تزال تدور في فلك إيران وتركيا، فهل هذا ممكن؟!