مها محمد الشريف
إن الفرق يتجلى بين الطامح والمتهور، فالأول يقود نحو نجاح مضمون، والثاني إلى هلاك محتوم، وترشدنا بعض الأفعال والتصرفات إلى طرق قد سلكها كثير قبلنا، ولكن لكل تجربة ملامح مختلفة، وفوارق متباينة، بمعنى يوضح للعالم أنه من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها وهي تستخدم أحدث الأسلحة الممنوحة لهم كعطايا وهبات ودعم، وفي الوقت نفسه لا يشعرون بأي ذنب تجاه تشريد وقتل الفلسطيني الذي سُلبت أرضه وهُدم بيته.
وفي هذا الإطار، يدّعون الكمال الفكري والقيم والمبادئ وهم أحفاد مستعمرين انتهازيين محتكرين، لذلك مقدار القوة والوعي يختلف عندما يفقد الإنسان حقوقه المشروعة كإنسان له سيادة منتهكة من محتل ومناصر لهذا المحتل ضدك، ثم عليه إيجاد الكيفية التي تحدد نسب النجاح نحو هذه الإشكاليات التي تعتبر محورًا في لعبة الإنتاج والقياس والحدود الذاتية والسياسية.
رغم تغيير الأزمنة والحقب ينحاز في رؤيته إلى داخل التاريخ ليصارع أغلب الأبجديات للمصداقية المشروعة، بينما يستثمر التقنية بشكل مكثف حتى ألغت الديناميكية الإنسانية جدواها وحقوقها المنتهكة.
لذا، معظم الأشياء المختلفة تربطها عناصر مشتركة، عدا الانسجام والغاية، ثم إن الدور الذي يقوم به الفرد حيال ذلك مجرد اختيار مسبق واستنتاج لا يتفق مع الأزمنة التي يعيشها بوعي، لأن الوعي نقطة انطلاق الفكر كما يعلم الجميع، فإذا كانت المعطيات تنتمي لمطلب عفوي لدى الإنسان الكوني، ويسعى إلى تحقيقه، فهو يروم الوضوح، ويحاول بناء المفاهيم في قالب مختلف، وينسج من الواقع روايات وقصصًا قصيرة جميلة لها نهايات مأساوية، عطفًا على المعاناة التي توجد في بعض فصولها.
فالعالم الأول يملك الوجاهة الفكرية والثقافية والاقتصادية والصناعية وعمق الدلالات، ويمتلك مفاهيم تدين ما سواه، فتظل الحقائق النهائية ترتهن لتأويل يائس كرس جهوده للادعاء الأحادي، والارتحال نحو الممكنات بغير التزام مسبق، وترك الجانب الأضعف يعيش الحرب والتجارب والفتن والاقتتال دون سلاح، ويلازمه الفشل في إعادة مشروع السلام الذي تركه عائمًا حسب مصالح الدول العظمى.
فإن لهذا النوع من التقدم والتطور والتطلع إلى اليقين ضريبة مكلفة إن لم تستثمر في تمهيد الطرق إلى استعادة سيادة السلام بشكله العام، وإيجاد مذكرة تفاهم تحت مظلة المصالح العامة وإحياء نسيج العلاقات الإنسانية مع دول العالم الآخر، وإيقاف شبح الديكتاتوريات التي تستبيح سيادة بعض دول الشرق الأوسط، والتحيز لبعض الأنظمة ضد شعوبها، وإقناع العالم بإنسانية الغرب، وفرضها على الرأي العام لمصالحهم المطلقة، دون اعتبار للحقائق الكاملة، والتعالي على أهمية الروح البشرية، وتتابع الانتهاكات التي تمارس.
أما آن لهذا العالم المتغطرس الاندماج إنسانياً في القضايا المشروعة، والعمل على كشف الذات بذاتها دون مساعدة لرؤية الخلل، الذي يفضي إلى سلام وإعادة الحقوق إلى أهلها، فالعالم الأول يعاني من عدم انسجام مع الأمم الأخرى، ويتسلط اقتصادياً وسياسياً وتقنياً، مما رجح كفته في التفوق الصناعي والعسكري، وزج به في قائمة انفتاح الذات على المستقبل بفكر متغطرس أحادي يعاني منه إنسان اليوم.
لا شك أن إنسان اليوم ينقسم إلى قسمين: واحد من دول محتكرة ومستعمرة ينظّر بالمبادئ والمثل العليا على إنسان آخر من دول العالم الثالث المنهوبة خيرات بلاده والممنوع من التقدم علمياً واقتصادياً، كل ذلك بقدر ما للتنافس المزعوم من أهداف وطموحات، إلا أن الحقائق أوجدت خطًا فاصلاً بين الواقع والخيال، والميراث والتاريخ، وألقت بظلالها على إنسانيته حتى اتسعت هلامية حضوره على حساب إنسان انشغل بالسياسات المتناقضة والسياسات المتقلبة.
فكلما تقادم به الزمن حصر اهتمامه في النزاعات الداخلية، والغموض والمؤامرات، والنزوع نحو سلوك نرجسي ينحاز للتاريخ القديم وأمجاد الأولين دون فاعلية تُذكر، في الوقت ذاته سئم النمط الواحد والمتكرر من كل شيء، والآمال المخيبة التي ارتكزت عليها سيكولوجية الانفعالات، يعبر عن روح حائرة لها مقومات وخصائص غريبة شكلته الظروف.