سلمان بن محمد العُمري
أثبتت الدراسات أن الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل كان لها التأثير الأكبر في بناء وتغيير كثير من المفاهيم الدينية والسياسية والاجتماعية لمستخدميها عبر العالم، وسمحت لهم هذه المواقع التفاعلية بأن يتلقوا ويتبادلوا ويجربوا ما شاؤوا من الأفكار والقيم والعادات الإيجابية والسلبية على حد سواء، وما حدث في العالم على مستوى الأفراد أو الجماعات بل الأمم والدول هو نتيجة لهذا التأثير المتبادل الذي أفضى -والعياذ بالله- لدى البعض إلى الإلحاد والشذوذ والثورات والانفلات، وأصبحت هذه الفضاءات المفتوحة مجالاً لإعادة تشكيل الذات، وكلما كان الجو العام للفرد المستخدم لهذه الوسائط ضيقاً وأحادياً كان أكثر عرضة للتأثر لا التأثير، ولا سيما لدى الشباب والشابات الذين يفتقدون إلى الرابط الإيماني أولاً، والتلاحم الاجتماعي ثانياً، والضغط الاقتصادي ثالثاً، وغالبية المستخدمين لها هم فئة الشباب حيث يشكلون الفئة الاجتماعية الأكثر انفتاحاً على هذه التقنية والأكثر استخداماً لها مقارنة ببقية الفئات العمرية الأخرى.
وقد أخذت الساحة الفكرية في وطننا العربي والإسلامي منذ بداية استخدام الإنترنت في العقدين الأخيرين منحنى منحرفاً للأسف، فرأينا ظواهر سلبية تمثلت في الغلو والتطرف الديني كداعش والقاعدة والفيالق والأحزاب، ورأينا على النقيض الآخر موجات الإلحاد في بعض البلدان، وشاهدنا أيضاً تحولات وهيجان في الشوارع العربية تمثلت بما يسمى بالربيع العربي كان المحرك الأساسي لها هو وسائط التواصل الاجتماعي، فهي التي أدت بالشباب إلى كل الطرق ذات اليمين وذات الشمال.
ثم بدأت نقطة سلبية في استخدام مواقع التواصل والوسائط والشبكات الاجتماعية تتمثل في إعادة تشكيل مفهوم النخب، فلم يعد المؤثر الواعظ والمعلم والمربي أولاً، ولا الكاتب أو الإعلامي والإعلام التقليدي بوجه عام ثانياً، ولا البرامج ولا المسلسلات وغيرها من البرامج الموجهة، بل أصبح هناك شخصيات قد تكون سلبية في الغالب أو هامشية هي المؤثرة في آراء وأفكار وسلوكيات الشباب والشابات لدينا بل حتى كبار السن والعجائز.
واليوم تأثير المشاهير لدينا محدد في الجانب السلوكي الشخصي في الاستهلاك كالمطعم والمأكل والملبس، ولكن الخشية أن يمتد هذا التأثير لاحقاً إلى الأفكار والمعتقدات وليس على أيدي المشاهير المحليين بل على أيدي المشاهير الآخرين خارج الحدود وليس ذلك ببعيد، فالعالم أصبح حياً وشارعاً واحداً وليس قرية واحدة كما يقال، ونحن في هذا العالم ما زلنا -مع الأسف- متلقين وغير مؤثرين أو فعَّالين، وأصبحت ثقافة الشباب وسلوكهم تستمد من هذه المواقع. وإن لم نلتفت لهذا الأمر فإنني أخشى أن يكون هناك تحول كبير في القيم.
لقد قال مخترع الفيس بوك زو كبيرنج إن فيسبوك هو حركة اجتماعية social movement، وليس مجرد أداة تواصل أو وسيلة، وإنه موقع سيتيح للأفراد العاديين أن يصنعوا من أنفسهم كياناً عاماً خلال الأداء والمشاركة بما يريدون من معلومات حول أنفسهم واهتمامهم ومشاعرهم، وإن الهدف من هذا الاختراع هو جعل العالم أكثر انفتاحاً.
لقد آن الأوان أن تقوم وزارات التعليم والشباب والثقافة والجهات الأمنية بعمل قواعد وأساسيات إرشادية تدرس في المناهج لتلافي سلبيات المواقع، فهذا أجدى وأنفع من الوسائل التقليدية في مكافحة أضرارها وما ينشر فيها.
حفظ الله البلاد والعباد من كل سوء.