يزخر الوطن برواد التربية والتعليم من الأجيال السابقة، وتتكرر النماذج التي تحمل مسؤولية تربية الأجيال، وهمَّ هذا الدين العظيم والإصلاح به في كل العصور، وتُشكِّل هذه النماذج بِقِيَمِها القدوات المثالية للأجيال، خاصةً في مجالات التربية والتعليم والدعوة والاحتساب وعطاء الخير للغير، وتأتي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوضِّحةً وجود هذه النماذج في أمته في كل زمان ومكان بقوله: (إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ) [سنن ابن ماجه: 237]، (المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير النَّاس أنفعهم للنَّاس) [الألباني السلسلة الصحيحة: 426]، (المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه) [صحيح البخاري: 6484].
وكان السلف الصالح يُفرِّقون بين رَجُلِ نفسه، وهو المهتم بذاته فقط، ورجل عامَّةٍ حسب تعبيرهم، حيث نفْعُ عامةِ الناس، وبين المسلم الصالح والمُصْلِح الذي تُحفَظ بسببه المجتمعات من أمة الإسلام؛ لتسودها وتقودها الفضيلة وحب العلم، ويتحقق بها الأمن الاجتماعي والفكري.
الشيخ عبدالله بن محمد بن صالح الخليفة من المشارفة من بني تميم ممن قدم أجداده من أشيقر إلى الشنانة عام 1200هـ، وهو المولود عام (1352هـ) بالشنانة في محافظة الرس بالقصيم، والمتوفى بالرياض في 17 رمضان 1442هـ، والذي كانت محطات حياته الرئيسية بلدة الشنانة، والرياض، والخرج، وهو بأنشطته وأعماله التربوية الخيرية هدية بلدة الشنانة لمحافظة الخرج، ولهذا فهو من رموز الشنانة وأعلام الخرج.
وفاتحة القول عن الشيخ عبدالله فإن إبراز أهم محطات حياته العملية مما سوف يُسهم بمعرفة أكثر عن عَلَمٍ من أعلام هذا العصر، فهو -نحسبه والله حسيبه- شمعة أضاءت للآخرين ما يُنير لهم الطريق في محطات الحياة المملوءة بالشهوات والشبهات والعوائق والتحديات، وهذا هو الرصيد الحقيقي للمسلم وزاد الطريق في الدارين، ومن أبرز هذه المحطات:
- تلقى تعليمه بالشنانة في الكتاتيب ومع والده، وكان من هذه الكتاتيب التي تعلَّم بها مدرسة الشيخ سليمان بن ناصر السلومي التعليمية الخيرية حسب رواية خليفة العلي الحويس الخليفة -رحمهم الله جميعاً-، وتَتَلمذ بعض الوقت على يد الشيخ محمد بن إبراهيم، كما لازم إحدى دروس الشيخ عبدالعزيز بن باز حسب رواية الدكتور عثمان آل عثمان ورواية أحد أبنائه وقد زاد فيها أن والده كان يستيقظ قبل الفجر ليحضر في الرياض هذا الدرس.
- درس في عدة مدارس بالرياض، ثم التحق دراسةً بالمعهد العلمي بالرياض، وانتهى من كلية الشريعة عام 1380هـ بالانتساب.
- عمل بالتعليم من عام 1380هـ حتى عام 1412هـ ليكمل (32) عاماً في حقل التربية والتعليم مُعلماً ومُوجهاً تربوياً ومُديراً.
- عمل رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف بمحافظة الخرج حوالي عشر سنوات.
- رأَّس مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالخرج لأكثر من 25 عاماً، وقد أسس مع بعض المهتمين مركز العناية بالمصاحف المستعملة منذ عام 1426هـ إدارةً وإشرافاً بإنجازات مشهودة، وبجهود موفقة -إن شاء الله- من العاملين فيها.
من صفاته وعطائه المجتمعي:
يُعدُّ الشيخ عبدالله المربي والعابد مدرسة في سلامة الصدر والتسامح مع جميع أطياف المجتمع، كما أنه مدرسةٌ في العطاء من نفسه ووقته وماله وجاهه إلى مؤسسات التربية والتعليم والحسبة وجمعيات العطاء الخيري، أحَبَ محافظة الخرج وأهلها وأحبوه؛ لأنه وَجَدَ أن رسالته في الحياة تتحقق بتعاون أهل المحافظة من أهل الخير والصلاح والإصلاح والتربية والتعليم وما لديهم من قيم العطاء في وطن الخير والعطاء، وقد ألِفهم وألفوه فتعاونوا جميعاً في خدمة المحافظة وأهلها خُدَّاماً لكتاب الله تعليماً، وللمصحف عنايةً وحفظاً وتصديراً.
ونحسبه والله حسيبه من مفاتيح الخير بتبنيه لأعمال الخير والبر، وله أدوار مباركة في المساعدات والصدقات والتبرعات، ومع الأرامل والأيتام وقضاء ديون بعض المدينين، وسَدِّ احتياجات بعضهم بعطاء الاستدامة وبتوجيههم للعمل والإنتاج، والشفاعة للبعض بالعمل والوظيفة، وهو مع ذلك نحسبه من مغاليق الشر بعمله الاحتسابي القائم على التقليل من فشو المنكرات والتجاوزات الشرعية، ثم نحسبه من أنفع الناس للناس في المصالح العامة، والشيخ عبدالله عُرف عنه سلامة الناس من يده ولسانه، وسلامة صدره من كثير من أمراض القلوب المعاصرة وهي سِمَةٌ عُرف بها، كما أنه المُقِلِّ من حطام الدنيا وزخرفها، وهو ممن يألف الناس ويألفوه، وهو شخصية فريدة في النزاهة والصفاء النفسي والأخلاقي، ومن محبته للحج والعمرة أنه كان ملازماً لهما سنوياً في الغالب، ومع طلاب مدرسته وبعض أساتذتها سنوات عديدة، ولعل دعوةً مستجابة أصابته من والده رحمه الله، فقد كان باراً به، ملازماً له في كثير من أسفاره، محسناً به طيلة حياته، وكان والده من رموز بلدته الشنانة، ومن أهل التعليم والدعوة ونشر الخير في أماكن كثيرة.
ومن صفات الشيخ عبدالله الحلم والتواضع، والأناة وسعة الصدر كما يُقال! كما عُرف بالكرم والشجاعة في قول الحق ونصرته، وقد وفقه الله بشخصية توافقية مع فئات المجتمع المختلفة فأحبه الجميع، ثم هو ليس بشخصيةٍ أنانية أو انتهازية مع المسؤولين الذين يحترمونه، وكانت هذه الصفات من عوامل نجاح إدارته في تلك الصروح التربوية والخيرية، ومن نجاحه العمل الدؤوب باحتساب في النصح للعامة والخاصة، ومما يُذكر له ويُؤجر عليه -إن شاء الله- نصحه لمن زلَّت به الأقدام والأفهام حول مزاعم اتهام جمعيات تحفيظ القرآن الكريم بدعم الإرهاب ببلاد الخير والعطاء، فكان تبنيه النصح بقوة مع من أخطأ بحق القرآن وأهل القرآن، وربما كانت منه مواقف حازمة لكل من سَقَطَ في هذا المزلق هداهم الله.
وأكثر من هذا فهو رجل عامةٍ في اهتمامه بنفع الآخرين بشتى أنواع النفع من خلال عمله في منظومات من الأعمال والمؤسسات والجمعيات التي كان لوجوده فيها الأثر والتأثير الايجابي لمجتمعه والدعم المادي والمعنوي لجميع إخوانه العاملين معه.
وتعدد أعمال النفع العام مما يتلازم مع شخصية الشيخ عبدالله، والمتأمل يُدرك في هذه الأعمال وما شابهها أن لِله عِبَاداً صُلَحَاء، فهو في وظيفته الحكومية صاحب رسالة تربوية تعليمية ودعوية، وهو في الأعمال الخيرية قد نَذَرَ نفسه ووجاهته ومكانته الاعتبارية لخدمة دينه ومجتمعه ووطنه.
وللشيخ نظرات تاريخية اجتماعية مفيدة عن بلدته الشنانة في فترتها التاريخية الثالثة الأخيرة التي عاصرها بنفسه، وقد تم تدوين بعضها في كتاب ترجمة (سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي - الشخصية والرسالة) وأخرى في كتاب ترجمة (عبدالله بن سليمان بن ناصر السلومي - تجارب تطوعية مبكرة) ويرتبط الشيخ عبدالله مع هذين بروابط متعددة من المصاهرة والعطاء الخيري، وكذلك كانت بعض المعلومات عنه بصورة منقولة في كتاب (الرس وأدوار تاريخية في الوحدة)، ومما ورد فيها توصيف عن كيفية الحياة الاجتماعية وصور التطوع والتعاون بين أهالي بلدة الشنانة في المزارع والمباني وكرم الضيافة من خلال ذكرياته عن أزمنة مضت، وكان يحتفظ بذكريات كثيرة عن تاريخ بلدته الاجتماعي تكشف في مجملها عن مرحلة مهمة في تاريخ الشنانة، ولاسيما في طلعتها الثالثة بعد قطعة الشنانة عام 1322هـ، وله كلمات ورسائل تربوية لطلاب مدرسته الثانوية بالخرج، وكذلك كلمة لشباب بلدة الشنانة بعنوان: (إلى شباب اليوم في صناعة المستقبل)، بل وكان له حديث عن والده ودوره في الدعوة والتعليم ببلدة خليص قديماً، وهي قرب مكة المكرمة.
من أعماله متعدية النفع:
تمتع الشيخ عبدالله بصفات اجتمعت بشخصه جعلته محبوباً ومقبولاً عند كثير من العلماء والأمراء والمسؤولين بعلاقات ودّ واحترام، ومن ذلك إخلاصه وهدوؤه وسمته، وقد سخَّر هذه العلاقة المثلى لخدمة دينه ومجتمعه دون الاهتمام كثيراً بخدمة ذاته أو تسخيرها لمصالحه الشخصية، فنجحت -على سبيل المثال- إدارته للمدرسة الثانوية بالخرج بنشاطها العلمي والتربوي بشراكة أساتذة فضلاء، حينما خرَّجت المدرسة أجيالاً صالحة من الشباب أصبحوا أساتذة ومربين فيما بعد.
واستثمر علاقاته المثلى حينما أصبح رئيساً لـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالخرج)، ليتجاوز بهذه العلاقة والثقة تحديات هذا العمل وعوائقه، وليكون هو والعاملين معه حراس فضيلة وخير للمجتمع، بدعم من المسؤولين، وتعاونٍ من مجتمع الخير والإصلاح من الغيورين. ومن اهتمامه بالصالح العام كأنموذج أن كانت له جهود مشهودة مع وزارة المالية باستثمار مبنى إمارة محافظة الخرج القديم، وذلك بالعمل على تحويله إلى عدة مرافق في موقع مُوحَّد خدمةً للمجتمع من المراجعين.
كما أنه وظَّف علاقاته الحسنة مع بعض المسؤولين كذلك في إنجاح رسالة (جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالخرج - ارتق)، وهي الرسالة الكبيرة التي تتطلب الموارد المالية الكافية من العطاء والأوقاف والاستثمار، وربما جاءته هدية خاصة كسيارة مثلاً فأعطاها للجمعية أو الهيئة! فمكانته الاعتبارية وجهوده وجَلَدِه مع التجار والمحسنين وشراكة غيره من العاملين في الجمعية كانت كلها عناصر نجاح في الدعم الرسمي والمالي والمجتمعي للجمعية، بل وعَامِلَ تَفوُّق في مخرجات الجمعية وتوسعها وعطائها المجتمعي من الحُفَّاظ والأئمة والطلاب والطالبات، ليكون الاكتفاء الذاتي بمحافظة الخرج والدِلم وما حولهما من أئمة ومؤذنين ومعلمين ومعلمات، بل وأجيال تلتزم بقيم القرآن، وهذه المخرجات تُعدُّ من الثمرات المباركة، وجميعها تَصُب في خدمة المجتمع ومصلحته العامة.
كما أن هذه العلاقات النظيفة الهادفة التي كان يتمتع بها أبو محمد قد سخَّرها واستثمرها ووظَّفها مع زملائه وأصحابه في إنجاح برامج العطاء والخير لمشروع آخر لا يقل عن السابق، حيث رئاسته المتميزة لمشروع فريد من نوعه، وهو الذي احتضنته جمعية تحفيظ القرآن (ارتق) بمحافظة الخرج، ليكون نواة مشروع عملاق على مستوى المملكة العربية السعودية معني بالحَفاظ على المصاحف والعناية بها، كما هو حال بعض المصاحف الممزقة بعض أوراقها وأغلفتها، وذلك بترميمها وإصلاحها وإعادة الاستفادة منها، وهذا يتم من خلال كيان إداري وفني مؤسسي، وهو (المركز الخيري للعناية بالمصحف الشريف)، وذلك وُفق برامج «فنية وإدارية» متميزة يصعب التفصيل فيها في هذه الورقات المختصرة المعنية بجهود الشيخ الإصلاحية والخيرية، وشراكته المجتمعية المتميزة. وطالما حدثني وحدَّث غيري عن العقبات والتحديات الإدارية والفنية التي واجهت هذا المشروع، حتى أصبح عطاء المشروع حوالي خمسون ألف نسخة من المصاحف شهرياً تُرسل إلى أنحاء متفرقة من العالم.
وهذه الورقات المختصرة جداً ليست معنية بالاستقصاء عن أعماله الفردية والمؤسسية الخيرية بقدر ما هي إضاءات أو وقفات.
كلماتٌ من شهداء عصره:
كتب عنه الدكتور عبدالله الخلف لكاتب هذه السطور، وكان أحد الأساتذة معه في ثانوية الخرج، ومما قال عنه: «عندما نتحدث عن شيخنا الجليل أبي محمد يتجلى لنا عجز اللغة وقصور الكلمات والعبارات عن الوفاء بما نشعر به ونريد أن نقوله. فكيف نستطيع أن نفي بحق رجل فذ اجتمع فيه من الصفات والمواهب والقدرات ما يندر أن يجتمع في إنسان. لقد كان قيادياً محنكاً ومربياً متميزاً ووجيهاً كبيراً جليلاً وشخصيةً مهيبة. وفي الوقت نفسه كان عابداً ورعاً خاشعاً زاهداَ متواضعاً ولطيفاً محبوباً يَألفُ ويُؤلَفْ ويأنس ويُؤنس به. لقد قضى عمره في خدمة دينه وأمته ووطنه. نسأل الله أن يسبغ عليه من رحمته الواسعة وان يجعله في الفردوس الأعلى ويجعل قبره روضة من رياض الجنة».
وقال عنه أحد طلابه في الثانوية في أواخر التسعينات الهجرية، وهو الأستاذ خالد بن عبدالله الفواز: «شيخنا عبدالله أستاذ أجيال خدم العلم والتعليم وأنشطته التربوية المتنوعة، وكان صاحب شفاعة لكل محتاج ابتغاء الأجر والثواب، وقد أعطى الشيخ لدينه في شبابه وبعد كِبر سِنِّه، وبالرغم من مرضه وتعبه في آخر عمره إلا أنه كان يتمتع بحضور الذاكرة القوية التي جعلت منه خادماً للقرآن إلى آخر لحظات فراقه من الدنيا، وهو صاحب قيام ليل وخشوع وتواضع عجيب يدل عليه منزله المتواضع البسيط بالخرج رغم إمكانية أن يكون من أهل الثراء والمال، وكان يحفظ المعلومة المفيدة ويفيد بها الآخرين بأسلوب قصصي بديع قد يستغرق ساعات وساعات، وكان يوصف بأنه صاحب جماليات في قصص الحياة وفي أدبيات الأسفار الطويلة وقد تتوقف القصة عند النوم! وتستأنف بعد الاستيقاظ! وكان محباً للخرج وأهلها، وقد شهدت جنازته هذا الحب الكبير من أهلها وطلابها السابقين وأساتذتها وأعيانها، وخير شاهدٍ حضور جنازته جمعٌ كبير من المسؤولين من مدنيين وعسكريين وعلماء وطلاب علم وأطباء وتجار وغير هؤلاء، حتى تذكرت مقولة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- «بيننا وبينكم يوم الجنائز».
كما قال عنه الدكتور عبدالله العسكر في قناة المجد: «هذا الرجل أعرفه معرفةً لصيقة وباختصار، يكاد في حياتي الشخصية ما مرَّ عليَّ شخص فيه من التكامل بأعماله مثل هذا الرجل، حياته حافلة بالعطاء، فثانوية الخرج التي أدارها بالخرج فازت زمن إدارته بمسابقة لمن الكأس؟ كبرنامج في التلفزيون السعودي على مستوى المملكة، حيث الشيخ يعشق الجانب التربوي مع الشباب والطلاب، وكان حريصاً على الجيل ليس ثلاثون سنة في التربية والتعليم فحسب ولكن إلى وفاته وهو يحمل هذا الهمَّ التربوي، وقد هيأه الله للأعمال الصالحة المتعددة والمتعدية فهو عجبٌ عُجاب! وكان من زهده الظهور الإعلامي، وزهده بالدنيا التي أعرض عنها وكان من الممكن أن تأتيه! وهو في العبادة إمام في الخشوع والطمأنينة ورِقَّة القلب ودمعة العين رحمه الله».
وكتب عنه أحد أصدقاء العمر في مسيرته الخيِّرة وهو الأستاذ إبراهيم الرويتع فقال عنه في تغريدةٍ له: «الشيخ عبدالله الخليفة مدير ثانوية الخرج عندما كنت طالباً فيها ثم مُدرساً عرفته عن قرب يُعدُّ شخصية استثنائية، له مآثر عديدة، داعية وأديب وتربوي، ذو خصال كريمة، وذو هيبة، وتواضع وسمت عجيب رحمه الله رحمة واسعة».
وقال عنه الشيخ سعد الغنام في رسالة صوتية طويلة، وفيها وَرَدَ: «في هذا اليوم السابع عشر من رمضان من عام 1442هـ انتهت حياة شيخنا عبدالله الخليفة، لكن بقيت حياته نبراساً في طريقنا ومعالم لن ننساها، وموت العلماء ثلمة في الإسلام وأمراً ليس هَيِّناً ولكن عزاءنا أن سيد البشرية عليه الصلاة والسلام غاب عن الحياة فكيف بمن دونه صلى الله عليه وسلم!
علاقتي وجيلي مع الشيخ بدأت قبل أكثر من 43 عاماً في ثانوية الخرج، سافرنا معه إلى مكة شرفها الله وإلى المدينة النبوية في رحلات حج وعمرة وزيارة، واستفدنا من تواضعه وسمته حتى أنه كان الطريق طويل ذلك الوقت والشيخ رحمه الله معروف بطول نَفَسِه فيبقى في الطريق أكثر من يوم! فكان ينام تحت الأشجار وتحت الجسور بلا فراش! فكنت استغرب عن هذا التواضع، فاستفدنا من تواضعه أكثر من علمه رحمه الله تعالى...».
وأقول معلقاً على هذه الأقوال المختارة التي من الممكن أن تُعدَّ من شهداء الله في أرضه: الشيخ كان بحق ممن نَذَرَ نفسه ووقته ومكانته ووجاهته لخدمة دينه ومجتمعه، ولعله ممن عناهم قول فضيلة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- بقوله المختصر المفيد عن هذا النموذج وأمثاله: «من نَذَرَ نفسه لخدمة دينه فسيعيش مُتعباً، ولكن سيحيا كبيراً ويموت كبيراً، ويُبعث كبيراً، والحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله».
والحديث عن هذا الأنموذج من مفاتيح الخير يطول مما لا يمكن أن تتسع له هذه الصفحات المحدودة، لكني بهذه المناسبة أدعو أبناءه ومحبيه وتلاميذه أن يكتبوا عنه كتاباً يُبرزون فيه رمزية الشيخ الخيرية والدعوية والتربوية بغرض الاقتداء والنشر عن القدوات الصالحة ونماذج الإصلاح التربوي.
ودعائي لأبناء الشيخ وبناته أن يكونوا خير خلف لخير سلف، وبالله التوفيق ومنه الجزاء والثواب لكل من أخلص في وظيفته التربوية ورسالته مع قطاع الخير وجمعياته.
** **
د. محمد بن عبدالله السلومي - باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث