هكذا عندما يرتبط المكان لدينا بالذاكرة وتصبح الغربة عنه غربة نفسية والذكرى لها طعم جميل. كثيرة هي الأماكن التي نرتبط بها ونتعلق بها فتصبح هي مصدر سعادة لنا لا تنفك.
في تراثنا وفي أدبنا العربي الجميل هناك قرية الشاعر العربي الأصيل بدر شاكر السياب وهي جيكور وهي قرية عراقية صغيرة تقع جنوب شرق البصرة تابعة لقضاء ابي الخصيب.
جيكور بلدة جميلة فيها أشجار النخيل العراقية الباسقة وفيها أنهار صغيرة تأخذ مياهها من شط العرب وفيها أراض مزروعة بالنخيل تركت في ذاكرة السياب أجمل الصور وأحلى الذكريات حتى وكأنه في بغداد يعيش كاليتيم بعيداً عن أشجار النخيل في جيكور ومما يعرف أن السياب لم يستطع التأقلم مع جو بغداد وكان يحن دائماً إلى قريته الصغيرة والبعيدة.
ومما عرف أن جوها الشاعري الخلاب كان قد فجر طاقات السياب الشعرية فولدت ملكته الشعرية المتميزة وانطلقت عباراته تنساب كالنسيم أو كمياه الجداول الصغيرة التي كان يغذيها شط العرب.
وقد ذكر إحسان عباس عشق السياب لبلدته جيكور فقال (وأما السياب فإنه لم يستطع أن ينسجم مع بغداد لأنها عجزت أن تمحو صورة جيكور أو تطمسها في نفسه، فالصراع بين جيكور وبغداد، جعل الصدمة مزمنة حتى حين رجع السياب إلى جيكور ووجدها قد تغيرت لم يستطع أن يحب بغداد أو أن يأنس إلى بيئتها، وظل يحلم أن جيكور لابد أن تبعث من خلال ذاته).
ونلمح ذلك في قصيدته :-
اه جيكور، جيكور
ما للضحى كالاصيل
يسحب النور مثل الجناح الكليل
ما لاكواخك المقفرات الكئيبة
يحبس الظل فيها نحيبه،
أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل
عن هوى كالتماع النجوم الغريبة
أين جيكور،
جيكور ديوان شعري
موعد بين ألواح نعشي وقبري
هذه هي جيكور بالنسبة للسياب وهذا هو عشقه الأبدي لبلدته الصغيرة جنوب شرق البصرة.
** **
- سالم بركات العرياني