كنت منهك القوى عندما أيقظ قصف الرعد أحلامي من سباتها العميق، انهمر الأمل عليّ بشدة، مما جعلني أتماهى مع تلك العاصفة المبهجة، وأقرر أن أغير من ذاتي المنهكة، وأعيد برمجتي من جديد، في حينها كانت الدعايات تملأ الدنيا عن انعقاد دورة للبرمجة اللغوية العصبية، يقدمها أفضل مدربي الوطن العربي، تواكبها عبارات رنانة تداعب الروح: تحكّم في حياتك، اصنع واقعك ومستقبلك، أخرج المارد بداخلك.
كنت أحد الملتحقين بالدورة, في اليوم الأول أدخلنا المدرب إلى عوالم تشبه عوالم الصوفية وعوالم مُثل أفلاطون، بل تتجاوزها إلى أبعد من ذلك إلى عوالم شيطانية مخيفة, جعلنا نخاطب أشياء مبهمة في دواخلنا تجعلنا نستطيع أن نحيا سعداء، ونشفى من الأمراض، ونحقق النجاحات تلو النجاحات، ولنحصل على كل ذلك، علينا أن نعطل الحواس، ونبحث عن الوجود بدواخلنا، فهناك فقط يكمن الوجود، هناك يحدث الفيض وينكشف كل شيء، هناك العالم الحق.
ورغم أن المدرب حرص دائماً على إخبارنا بأنه يصلي الفجر حاضراً، وبعد ذلك يقرأ القرآن الكريم حتى طلوع الشمس، سألت نفسي: أليست تفاصيل هذه التدريبات هي اعتقاد بوحدة الوجود ولكن بشكل جديد؟ أليست هذه أفكار فرق الباطنية؟ ولكنني حينها لم أكن أعرف أن خطر هذه التقنيات أنها تستطيع أن تتلون بثقافة المتدربين، وما كنت أدرك أن هذا الحرص كان متعمداً.
في الستينيات حصل في أمريكا مناهضة للثقافة السائدة المتمثلة في المادية البحتة التي أنتجت خواءً روحياً، فبدأ البعض يبحث عن مخرج من تلك المادية، وظهرت حركة العصر الجديد التي تعد البرمجة اللغوية العصبية من أهم تقنياتها، وهي تشمل أفكاراً باطنية مستمدة من عدة ديانات، منها الهرمسية, والبراهما, والصوفية وغيرها الكثير.
شعرت وأنا أمارس أحد التدريبات أنني مستسلم للشيطان!!، قال المدرب عندما تأكد أنني انعزلت عن العالم ولم يتبق مني سوى جسد مهمل ممتد.. أرسل جزءاً من داخلك ليجلب لك السعادة، ولا تنسَ أن تشكره بعد ذلك.
حركة العصر الجديد هي ديانة من أهم معتقداتها أن العالم عبارة عن وجود إلهي، ويمكن الوصول لبواطن ذلك الوجود عن طريق بعض الرياضات الروحية كاليوجا, والاسترخاء وغيرهما، ولكن الخطر أنها تقدم عن طريق دورات في قالب ديني، فيتحدث المدرب كثيراً عن أهمية الصلاة والدعاء والإيمان.
خلال الدورة شعرت للحظة بأنني أستطيع حمل أحد أهرامات الجيزة والذهاب به إلى قلب جزيرة العرب، شعرت بأن الحقيقة عبارة عن أوهام متعددة، وأن كل شيء ما هو إلا تصور ذهني، وما أن انتهت الدورة حتى أدركت أن كل ما يحدث من علاج بخط الزمن وتعديل في ملفات العقل الباطن، إنما هي محاولة لتأليه الذات، وأن كثيراً من الممارسات إنما هي طقوس مستمدة من العبادات الشرقية، وبعد أن حصلت على شهادة ممارس معتمد في البرمجة اللغوية العصبية، عدت منهك القوى مرة أخرى، حيث أيقنت أنني اشتريت الوهم بمبلغ باهظ جداً جداً.
** **
- سلطان الحويطي