«الزمن ليس قطعة قماش نستطيع أن نرتقها ونعيدها لسابق عهدها متى ما أردنا»
***
بعد روايتي: دحرجة الغبار والعتمة تصدر عائشة السالم وكانت تكتب تحت اسم (سلام عبدالعزيز) روايتها الثالثة «الريح في الأرض البعيدة» والصادرة عن شركة دار البيروني للنشر والتوزيع/ عمان في العام 2021م وفي 324 صفحة.
والريح في الأرض البعيدة رواية الأقدار والمصائر والشتات والأرض التي نظنها ثابتة تحت أقدامنا وإذا بها تُزلزل دون سابق وعد، وإذا بنا نتراكض هنا وهناك بغريزة النجاة لا أكثر.
مدينة «الوفرة» التي جمعت عائلات من بيئات مختلفة وحًدهم (الغنى الإنساني في مجموع مغترب، وحدهم التراب ولقمة العيش، ذلك الامتزاج بين الشعوب الذي جعلهم لحمة واحدة، دون تخطيط ودون شعارات) والحديث من الرواية ولعائشة والزمن زمن ما قبل غزو الكويت.
لكن الغنى الأنساني ووحدة التراب هذه تتبدد كلها صبيحة زلزال غزو الكويت، ليتبع هذا الزلزال ارتدادات زلزالية لم تتوقف حتى الآن وما زالت وقد سردت الرواية بعضها: كزوال الوفرة القديمة، سقوط صدام، متوالية ما سمي بالربيع العربي، زمن داعش، طفرة التطرف وتفجيرات المساجد، عاصفة الحزم وهكذا.
ويتبدد ويتغير مع توابع هذا الزلزال سلام العائلات البسيطة وجيرتها التي كانت هناك وتتغير مصائرها وتتوزعها جهات أخرى تعيد لنا بعضا من قصة الشتات المحزن للشعب الكويتي المنكوب.
غير أن أرادة الحياة أقوى. وتستأنف هذه العائلات حياتها محاولة استعادة الزمن, ومرة أخرى تولد علاقات جديدة في أماكن أخرى وعبر المتيسر من عون الحياة.
وفي كل مرة يحضر الحب كنجدة ترمم هذه الانشطارات، ينجح مرات ويفشل أكثر رغم إصرار مجموعة وفرة الأمس على التمسك بقيم الأرض والإنسان (وحيث مضينا وولينا وجوهنا، نعلم أن الماء هنا والملح هناك،هنا الشمس وهناك التراب،هنا الشبع وهناك الارتواء... إلخ)
«كل انكسار, كل هم،كل هزة من هزات الحياة أحتجت فيها إلى سند ولم تكن بجانبي لن أغفرها لك, الحب ليس كلاما عذبا وأحلاما محلقة فوق الأرض. الحب هنا على الأرض» والحوار بين فاطمة واسيمرمحوري الرواية.
من الصعب تلخيص الرواية والتي تبدو دون بطل واحد وكأن البطل فيها هو الزمن او كما قال مرزوق:كلنا ابطال حياتنا فلا يوجد بطل واحد في الحياة.
لغة الرواية شفافة وفاتنة واظهرت الكاتبة معرفة عميقة بالاغوار الانسانية واختلاجاتها، كما اظهرت قدرتها العميقة بمعرفة الأرض والطبيعة ولغة النبات والكائنات (المواشي والكلاب والخيول وحتى العصافير) والتي بقيت جزء هاما داخل فصول الرواية حتى لكأنها رواية عن مجتمع بدوي وليس مجتمع نفطي في الغالب وربما هناك كانت « الوفرة» التي لم تعد.
الريح في الأرض البعيدة عوالم كثيرة ومتشابه ومتشابك تقرأ الآن وتقرأ غدا وبعد سنوات لنعرف عبرها مالذي حدث ويحدث الآن وبالأمس، والتأريخ الإنساني الحقيقي يكتبه الفن الروائي عبر البسطاء من الناس وسيعبر كتب التأريخ الموجهة.
شكراً لعائشة هذا العمل الملحمي بشخوصه المتعددة حتى أنها وضعت «مشجرة» لهذه الشخوص وحتى لا نفقدها.
ولعله يحظى بقراءة مستحقة، قراءة تنصف المبدعين الصامتين سكان الظلال والذين يبدعون ولا ينصفهم أحد.
** **
- عمرو العامري