زكية إبراهيم الحجي
أحدثت التطورات التكنولوجية الحديثة نقلة نوعية في مجال الاتصال.. الأمر الذي جعل أفراد المجتمع بمختلف طبقاتهم وفئاتهم العمرية يعيشون في ظل عالم تقني ومجتمع اقتراضي تحت شعار ثقافة الإنترنت ما أثار حفيظة البعض بسبب الأخطار الناجمة عنها، وذلك نظراً لابتعاد الشباب عن الحيز الواقعي إلى حيزٍ افتراضي يؤدى إلى حالة من الصمت تُخيم على أفراد الأسرة الواحدة التي تعتبر النواة الأولى للمجتمع وهنا يحدث الشرخ اللغوي والاجتماعي وبالتالي تتسع الفجوة في التواصل اللغوي داخل المجتمع الواحد.
اللغة وأي لغة كانت.. سادت أم بادت واندثرت تعتبر مفتاحاً للعقول ولولاها ما كانت حضارة وما عرف الإنسانُ الإنسانَ.. ووجودها يعني عملية تفاعل وترابط مع الآخرين ونقل الثقافات وتبادل المعارف والخبرات والإسهام في بناء المجتمع الإنساني.. فإذا كانت هذه المميزات تتصف بها أي لغة فكيف بلغتنا العربية لغة أعظم الكتب السماوية لغة القرآن الكريم هذه اللغة التي بقيت محافظة على ميزاتها وتراكيبها وفصاحة مفرداتها وبلاغة جملها على الرغم من طول عمرها المقرون بالتغيّرات التي طالت مجتمعاتها بتوالي السنين وتعاقب الأجيال وعطفاً على ما سبق ثمة قصة واقعية وجميلة لرجل أمريكي هداه الله ودخل الإسلام.. فأقام له زملاؤه حفل تكريم فوقف يخاطبهم ويقدّم الشكر لهم لتكون المفاجأة.. الخطبة باللغة العربية أصابتهم الدهشة وسألوه عن السبب فأجاب: اللغة الإنجليزية لغة أميّ التي نشأت عليها وأما اللغة العربية فهي لغة أمتي التي اهتديت إليها.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه اللغة العربية اليوم لا يتعلّق بعدم كفاءتها وقدرتها كما يتوهم البعض فهي لغةُ علمٍ ثرية حباها الله خصائص وميزات أهلتها لتكون لها الصدارة بين جميع اللغات، بل التحدي يكمن في خطورة ما تواجهه لغتنا العربية في ظل تعدد مواقع التواصل الاجتماعي ووسائط تبادل المحادثات المكتوبة والصوتية والمرئية.. وفي ظل هذا التّوغل الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها ينزلق الكثير من مستخدميها انزلاقاً شائناً ومعيباً أثناء استخدامهم اللغة العربية سواء كتابة أو محادثة.. وقلما نجد من هو حريص على تنقية عباراته مما يشوبها من أخطاء لغوية ونحوية أو إملائية وتركيبية هذا عدا وجود حالات تثاقل في معرفة موقع الهمزة وحركة ضبط المفردات.. والمضحك المبكي أن من ينزلق أيضاً في ذلك بعض من أصحاب الاختصاص وحملة الشهادات العليا.. ولكن لا يمكن الجزم بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي وحدها السبب المباشر في تدني المستوى اللغوي عند بعض مستخدميها، فقد يكون وراء هذا الضعف والتدني عدم معالجة هذا الضعف في الصغر وأثناء المراحل الدراسية وبالتالي حال ذلك الضعف بين لغة الضاد واندماجها بالعصر الرقمي.
ومهما يكن من أمر فإنه لا يمكننا أن ننكر بأن وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة أملتها ظروف مختلفة اقتصادية واجتماعية.. سياسية وثقافية في عصر سيطر عليه الفضاء الإلكتروني لكن المقلق هو ما تفرزه هذه الوسائل من ملوثات تلامس لغتنا العربية وتشوّه جماليات لغتنا.. لذلك من المستحسن تأسيس مجتمع افتراضي للغة العربية ويُشرف عليه نخبة من المتخصصين في مجالي اللغة العربية والإعلام هدفه خدمة اللغة العربية وتربية الذائقة اللغوية السليمة.. أيضاً نشر الوعي بضرورة الاهتمام باستخدام اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي مع تصحيح الأخطاء الإملائية الشائعة. وجميل أن تتولى وزارة الإعلام ووزارة التعليم إلى جانب وزارة الثقافة هذا الأمر، فلغتي هي لغة الضاد وقد بُلّيتُ بحبك أيتها اللغة.