أحمد بن عبدالرحمن المانع
في صفة الإيثار الحميدة يقول الله عز وجل ممتدحًا الأنصار -رضوان الله عليهم- لما رحبوا بإخوانهم المهاجرين الذين قدموا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وفتحوا أبوابهم وصدورهم، وناصفوهم أموالهم وديارهم، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
ويعرب الشاعر الأبي النبيل في قمة الإيثار ومحبة إسداء المنافع عن عدم الرغبة في نزول الغيث إلا إذا كان سيغشى عموم البشر ويعم أرجاء الوطن:
فلا نزلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
والإيثار تقديم الخير للآخرين ورغبة وصول الفضل إلى الناس بل تقديمهم على النفس، ويقابله تصرف أهوج مقيت حقير ألا وهو الأنانية واحتكار الخير في النفس والأولاد، وكراهية أن يصل النفع إلى العباد. وهناك نماذج خبيثة قذرة تعيش في المجتمع تحاول حصر المنافع في دائرتها وأولادها بل تكره وصول الخير إلى الغير، وهذا منتهى الانحطاط في السلوك الإنساني. ومن هذه النماذج من أهلكه الله فقضى نحبه ورحل غير مأسوف عليه بسمعة نتنة مشينة، ومنهم من ينتظر لا أراح الله له بالاً ولا أصلح له حالاً. وانظر إلى التينة الحمقاء التي أبت أن يتمتع سواها بخيرها وضنت بظلها وجمالها وثمرها على غيرها فأصبح مصيرها الانقضاض عليها بالفؤوس والمعاول لتصبح وقودًا للنار المحرقة وتصير أثرًا بعد خبر.
يقول الشاعر:
وتينة غضة الأفنان باسقة
قالت لأترابها والصيف يحتضر
بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني
عندي الجمال وغيري عنده النظر
لأحبسن على نفسي عوارفها
فلا يبين لها في غيرها أثر
كم ذا أكلف نفسي فوق طاقتها
وليس لي بل لغيري الفيء والثمر
لذي الجناح وذي الأظفار بي وطر
وليس في العيش لي فيما أرى وطر
إني مفصلة ظلي على جسدي
فلا يكون به طول ولا قصر
ولست مثمرة إلا على ثقة
إن ليس يطرقني طير ولا بشر
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه
فازينت واكتست بالسندس الشجر
وظلت التينة الحمقاء عارية
كأنها وتد في الأرض أو حجر
فلم يطق صاحب البستان رؤيتها
فاجتثها، فهوت في النار تستعر
من ليس يسخو بما تسخو الحياة به
فإنه أحمق بالحرص ينتحر