د.عبدالرحيم محمود جاموس
لقد أثبتت هبة القدس والأقصى الرمضانية والشيخ جراح وما تبعها من انتفاضة فلسطينية شاملة وعامة شملت أنحاء الضفة والقطاع والأراضي المحتلة عام 48م..... ورد وفعل المقاومة الموجع من قطاع غزة... أن القدس تحتل مكانة مركزية في الصراع لدى الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وتحظى بأهمية مركزية أيضاً للعرب والمسلمين.. حيث استطاعت هذه الهبة وعنوانها أن تعيد للقضية الفلسطينية أهميتها العربية والإسلامية والدولية، على المستويات الرسمية والشعبية، والذي تجسد بالحراك الشعبي الواسع وتحرك الرأي العام الدولي على نطاق مهم وكبير وضاغط سواء لدى الدول الشقيقة أو الصديقة ولدى دول القرار الدولي الغربي خاصة..
ما دفع المستويات الرسمية العربية والدولية أن تعيد تكثيف نشاطها السياسي والإعلامي والدبلوماسي بموضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأن تتواصل مع المنطقة ومع طرفي الصراع ومع الدول الإقليمية ذات الشأن والتأثير، ليس فقط من أجل وقف إطلاق النار بين المقاومة والكيان الصهيوني واحتواء الهبة الفلسطينية، وإنما من أجل فتح أفق سياسي قد ينهي تجدد دورات العنف بين الطرفين الفلسطيني والكيان الصهيوني، الذي تجرع هزيمة غير مسبوقة، بسبب سياسات يمينه المتطرف والمتحكم فيه، والذي دفع بالصراع من خلال إجراءاته الفاشية والعنصرية واستهداف الأقصى والمقدسات إلى أتون حرب دينية، قد لا تجدي معها الحلول الوسط.. والمرشحة ألا تقتصر على جغرافيا فلسطين والمنطقة، ومن ثم فقد السيطرة عليها.. ما من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه للمطالبة بإنهاء وجود الكيان الصهيوني نفسه في فلسطين برمتها لما يمثله من تهديد لأمن واستقرار المنطقة، وتحديها في أقدس مقدسات شعوبها وهي مدينة القدس وما تحتويه من مقدسات إسلامية ومسيحية على السواء....!
لقد وصلت رسالة هبة القدس والمقدسيين ورسالة انتفاضة فلسطين والفلسطينيين إلى العالم، حيث يعانون ويقاسون من استعمار كلونيالي عنصري واقتلاعي على مستوى جغرافية فلسطين كاملة، سواء في الأراضي المحتلة 48 م، حيث ثبت تورط الدولة العنصرية وأجهزتها فيما شهدته المدن الفلسطينية المختلطة من اعتداءات للمستوطنين على سكان الأحياء العربية الفلسطينية فيها، وعلى مستوى القدس والضفة وقطاع غزة، كاشفة عن انهيار المنظومة الأخلاقية والقانونية للكيان الصهيوني.. وكاشفة زيف ادعاءاتها الأمنية والمدنية والديمقراطية التي طالما تغنت بها وخدعت بها الرأي العام الدولي مستجلبة عطفه ودعمه...
لقد وصلت الرسالة المقدسية الفلسطينية العامة إلى الرأي العام الدولي، الرسمي والشعبي دون أن تصل إلى مجتمع الاستيطان الصهيوني، وسلطاته اليمينية التي يعميها تطرفها عن إدراك مضامين هاته الرسالة الواضحة والقوية من الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده أنه لن ينكسر أو يستسلم أمام جبروت وعنصرية وفاشية الكيان، وأن نضاله مستمر ومتكامل من مختلف قطعاته وأماكنه.
لذا نلاحظ تحولاً في مواقف ونشاط الكثير من الدول الغربية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة والذي لم يتوقف عند حدود العمل على مجرد وقف إطلاق النار، بل يسعى هذا النشاط والجهد الدبلوماسي اليوم إلى ألا يتكرر إطلاق النار ثانية، وأن تكون هذه الجولة الساخنة آخر جولة من جولات الصراع، لما تمثله من تهديد لعصب الكيان الصهيوني ذاته...
ويأتي هذا النشاط المستجد وهذه المواقف الغربية عامة بهدف توفير الحماية للكيان الصهيوني أولاً من تطرفه وعنصريته وعمائه عن رؤية الواقع والحقيقة الفلسطينية العصية على الانكسار والإنكار..
فمن زيارة وزير الخارجية الألمانية إلى المنطقة إلى تصريحات الوزير الأول البريطاني واتصالات الرئيس جو بايدن إلى زيارة وزير خارجيته بلنكين إلى المنطقة المزمعة خلال الأسبوع الجاري للالتقاء بطرفي الصراع والدول الإقليمية المؤثرة، كل هذا الحراك يؤكد ويؤشر إلى إنتقال القوى الدولية من مرحلة دبلوماسية إدارة الصراع إلى مرحلة الانخراط في عملية دبلوماسية تهدف إلى البحث عن حل للصراع، ستكون هذه الجهود أبعد ما تكون عما حاولت إدارة الرئيس ترامب فرضه على المنطقة تحت مسمى صفقة القرن واتفاقات السلام الإبراهيمية....
هذا يفتح نافذة دبلوماسية جديدة على إحياء مبادرة السلام العربية وبث الروح في قرارات الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي كمرجعيات أساسية للتوصل إلى حل للصراع على أساسها، والعمل على إنقاذ الكيان الصهيوني من سياساته العنصرية والتوسعية والاقتلاعية، التي قد تعصف بوجوده كله من المنطقة...
هذا التحول يفرض أولاً على الفلسطينيين سلطة وفصائل و م.ت.ف الجاهزية للتعاطي الذكي والحذر مع إفرازات هذه المرحلة، على أسس وثوابت الموقف الفلسطيني المرتكزة على تنفيذ حق العودة والمساواة وإنهاء الاحتلال وتوابعه وممارسة حق تقرير المصير وحق إقامة الدولة الفلسطينية السيدة والمستقلة وعاصمتها القدس..
كما تفرض هذه المتغيرات على الموقف العربي والإسلامي التمسك بثوابت الموقف الفلسطيني ودعمه سياسياً ومعنوياً حتى تكون رسالة القدس بالفعل قد بلغت مبلغها لدى العرب والمسلمين ولدى العالم أجمع.
هكذا تثبت القدس مكانتها المركزية في الصراع وفي جوهر القضية الفلسطينية وفي مركزيتها في إقرار الأمن والسلم في المنطقة وفي العالم.