ميسون أبو بكر
الطفل الذي يبحث تحت أنقاض بيته الذي أسقطته طائرات المحتل لعله يجد لعبة أو حاجة من حاجاته نجت من القصف؛ ظفر بباقة ورد بلاستيكية حضنها وذهنه شارد ونظره مشرئبّ نحو أنقاض منزله، والرجل الذي قام بمبادلة بين أبنائه وأبناء أخيه حتى يضمن نجاة أفراد من العائلتين في حال قصف أحدهم لن يبرح مخيلتي ما حييت وهو يضحي بوجود أبنائه معه، وأن يكون لهم المصير نفسه، والطفل الذي ركض وراء نعش أبيه وجماعة من الرجال يحملونه لمثواه الأخير وهو يستوقفهم باكياً ليعيدوه سيتذكر العالم هذه الطفولة البائسة وهذا اليتم وهذا الفزع؛ وأنا متأكدة أن كل حروب العالم لم تعان ما عاناه الشعب الفلسطيني لعقود ومأساته وفجيعته تتكرر كل حين.
الطفلة التي اتكأت على الجدار المتبقي من بيت عائلتها ففاضت روحها إلى خالقها حين تيبّس جسدها وتوحّد مع الجدار في وقت انشغل به العالم الغربي عما يحدث (أمريكا والدول الأوروبية والصين) بقضايا داخلية متجاهلين الدم المهدور وصيحات الأبرياء وبيوت الآلاف التي غدت ركاما.
الصراع المستمر وضيم الاحتلال الذي لم يتوقف لأسباب أهمها تركيع الشعب الفلسطيني واستخدام الضغط عليه كورقة انتخابية رابحة بيد الرؤساء المتعاقبين على الحكومة الإسرائيلية الذين استغلوا أيّما استغلال صراع الفصائل الفلسطينية؛ هذه التسمية المقلقة كما وصفها دكتور محمد الرميحي في مقاله لأنها تعني الفصل الكلي الذي لا رابط بينه، وتتنازعها أهواء السياسيين وإغراء الشعارات، وتتسم بالمزايدة المفرطة إذا ضاعت فرص وتبددت طاقات، وأضاف أن الذي يربك تقدم المشروع الوطني الفلسطيني عاملان، الأول «المزايدة» والآخر هو «الفرقة» والتنافس السياسي «شبه العبثي»
لا نسمح كعرب ومسلمين، وأجزم أنه موقف الشعب الفلسطيني البطل كذلك، أن تكون فلسطين سلعة ومحل مزايدة بيد تجار ليس همهم إلا ربح صفقاتهم التجارية، بغض النظر عن النتائج وعن الوطن إن كان رابحاً أو أن يدفع شعبه حسابات أولئك المتاجرين بقضيتهم.
المملكة السعودية والدول العربية منذ عقود وهي تدعم القضية الفلسطينية بالمال والجيش متى أتيحت الفرصة ومواقفها في المحافل الدولية، وتكبدت ما تكبدته لأجل فلسطين وشعبها وقضية عادلة مقدسة لدى الجميع، واليوم تأتي حماس الفارسية لترسخ في ذهنية الشعب الفلسطيني أن وقف إطلاق النار الأخير سببه مساندة إيران بالمال والسلاح لفلسطين! مغيبة للجهد المصري العظيم الذي كان وسيطاً لحقن الدماء.
لا أنكر كعربية أنتمي للقضية الفلسطينية أنني طربت للصواريخ التي سددت لإسرائيل برغم الخسائر في الأرواح والجرحى لم تصل لنسبة بسيطة من شهداء فلسطين وجرحاهم؛ إلا أنها تقول شيئاً، لكن السؤال لماذا مليارات المليارات التي منحت لفلسطين سابقاً وعبر سنوات لم تُقدّر ولم يستخدمها الفلسطينيون كسلاح يحاربون به، كبضع المال الذي دفعته إيران وادعت حماس أنه سبب نصرها!
أخشى ما أخشاه أيها الشعب الفلسطيني المناضل الذي لا يقبل الهوان أو العبودية أن تكون هذه خطة فارسية للاستحواذ على عراق جديدة هي فلسطين؛ هل تقبل أن تكون حماس كحزب الله في لبنان والحشد الشعبي والحوثيين في اليمن؟!
هل ترضى أن تكون فلسطين قضيتنا المقدسة عراقاً جديداً أو جنوب لبنان أو سوريا التي شعبها كصمود الشعب الفلسطيني؟!
أستحلفكم بالله أن تعوا لمخطط إيران الذي تقودكم إليه حماس بشعاراتها ونصرها المزعوم.
المساعدات التي تصل من الدول العربية لا بد أن تجد طريقها إلى سلطة شرعية ينتخبها الشعب الفلسطيني بإرادته كي لا تتحول لأرصدة الساسة وأبنائهم وليس عصياً أن يخرج من رحم فلسطين قائد كمانديلا، وماك لوثر كنج، أو صلاح الدين.