د.أحمد بن عثمان التويجري
توفي فجر يوم الأربعاء 14 شوال 1442هـ معالي الأخ الكريم الشيخ محمد بن سليمان بن محمد المهوس. كان صديقاً عزيزاً ومن أقرب الناس إلى قلبي. عرفته قبل ما يقرب من ثمانية وثلاثين عاماً، فعرفت فيه الكرم والشهامة والمروءة ومكارم الأخلاق. كان خيّراً بكل ما تعنيه الكلمة ومن أنقى من عرفت من رجالات الدولة. جمع -رحمه الله- بين الحكمة ورجاحة العقل والتفقه في الدين. كان وطنياً نزيهاً مخلصاً، أفنى حياته في خدمة بلاده -رحمه الله-.
بدأ مسيرته المهنية في الديوان الملكي عام 1383هـ ثم في وزارة الصحة ثم في وزارة الداخلية، حيث عمل رئيساً لقسم النظم، ثم كبيرًا للمفتشين، ثم مديراً لشعبة المشاريع، ثم مستشاراً شرعياً، ثم مساعداً للمدير العام للوزارة، ثم مديراً عاماً لإدارة الحقوق، ثم وكيلاً مساعداً للوزارة لشؤون الحقوق.
وفي عام 1414هـ عُين رئيساً لهيئة التحقيق والادعاء العام (التي أصبحت النيابة العامة فيما بعد)، حيث أشرف على تأسيسها وتطويرها مع صديقه ورفيق دربه معالي الشيخ سليمان الفالح (الذي عُين نائباً لرئيس الهيئة) -أمد الله في عمره-.
كان مؤمناً إيماناً عميقاً بالكرامة الإنسانية، ووجوب صيانتها في كل الأحوال، وانعكس ذلك على تطوير كثير من الأنظمة الحقوقية في وزارة الداخلية.
كان يعطف على الضعفاء والفقراء والمساكين، وكان حريصاً كل الحرص على تيسير الإجراءات الإدارية والتركيز على روح النظام ومقاصده دون التقيد بشكلياته أو حرفيته.
تعمق في دراسة القانون بعد دراسته علوم الشريعة، وكان معجباً بالإمام الشاطبي -رحمه الله- من الأقدمين، وبالدكتور عبدالرزاق السنهوري -رحمه الله- من المحدثين، وما أكثر ما سمعته يقتبس من أقوالهما وينتقي من نوادرهما العلمية.
عُين عضواً في مجلس الشورى عام 1416هـ هجرية، بعد أن أمضى اثني عشر عاماً في رئاسة هيئة التحقيق والادعاء العام، فكان إضافة نوعية كبيرة للمجلس.
كان مثقفاً عالي الثقافة وصاحب ذوق أدبي رفيع. كانت القراءة متعته الكبرى، وكان شديد الحرص على حفظ الفريد من الشعر.
كان من أخلص أصدقائه القاضي الأديب الشيخ محمد الهويش -أمد الله في عمره- الذي كان موسوعة متحركة للفقه والآداب. وقد كانت مجالسهما التي سعدت وشرفت بحضور بعضها منتديات ماتعة للثقافة والأدب والشعر، وما أجمل ما كانا يرويانه من تجارب أسفارهما في الشرق والغرب.
كان متواضعاً إلى درجة مذهلة، وعازفاً كل العزوف عن الظهور الإعلامي. وكان -رحمه الله- كريماً لا تخمد ناره، وكان منزله منهلاً عذباً يرده العلماء والقضاة والمفكرون والأكاديميون من داخل المملكة وخارجها.
كان محبوباً ومحترماً من كل من عرفه. وكانت حياته -رحمه الله- في بساطتها أقرب إلى حياة الزهاد، وقد منّ الله -تعالى- عليه بسريرة طاهرة لا تعرف الحقد ولا تحمل الضغائن على الإطلاق.
برحيله تفقد المملكة العربية السعودية واحداً من كبار رجالاتها، فما أعظم فقده -رحمه الله-.
اللهم تغمّد أبا خالد بعفوك وكرمك ورحمتك وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، واجبر مصابنا ومصاب الوطن فيه، إنك سميع مجيب.