د. محمد بن إبراهيم الملحم
حيث قرَّرت الدولة -حفظها الله- أن يعود الطلاب إلى المدارس العام القادم، فإنه من الملائم أن نتحدث عن هذه النقطة، حيث أدرك أن الزملاء الفضلاء في الوزارات المعنية وبخاصة التعليم مشغولون بهذا الأمر، وكيفية تطبيقه بما يحقق المصالح التعليمية ويتلاءم مع متطلبات الصحة والسلامة للطلاب والمعلمين ذكوراً وإناثاً، وأقول في هذا الصدد إن العودة لن تكون كأية عودة تقليدية، بل لا بد لها من ترتيبات خاصة، سواء في تباعد الطلاب أو في بعض الإجراءات الأخرى التي تكفل سلامتهم، وهذه الإجراءات اللوجستية ميسورة وتطبيقها قد يختلف كماً وكيفاً من مدرسة لأخرى بحسب الظروف المكانية والبيئية لكل مدرسة، ولكني أتناول هنا بعداً آخرَ له أهمية إستراتيجية وهو التعلّم الإلكتروني أو التعلّم عن بعد، مذكِّراً أن معالي وزير التعليم صرَّح في بداية هذه الأزمة بأن التعليم عن بعد هو خيار «إستراتيجي»، وهذا يعني ببساطة أن التعليم القادم هو غالباً من نوع التعليم الهجين Hybrid والذي تتواجد فيه الممارسة التدريسية التقليدية في الفصول الدراسية بالإضافة إلى الممارسة التدريسية عن بعد، ذلك أن قصر العملية التعليمية على صورة واحدة في التعلّم عن بعد يفقد الطالب فرصة التزوّد بالخبرات الاجتماعية والمهارات الحياتية التي تقدّمها له فرصة التفاعل مع زملائه الطلاب، وكذلك مع معلميه، فالمدرسة هي نسخة مصغَّرة من الحياة الاجتماعية الكبيرة يتدرب فيها الطالب الصغير وكذلك الشاب على متغيراتها ومؤثراتها بكل أبعادها تقريباً ويخرج بخلاصة تصقل شخصيته وتصنع تصوراته عن الحياة والناس، من جانب آخر فإن ما يوفره الحضور للمدرسة من فرص اكتساب مهارات قد لا تتوفر له في المنزل هو بعد مهم لا بد أن نتأمله في هذا السياق.
في مقالات مماثلة العام الماضي ذكرت أن التعليم عن بعد يجب أن يكون ممارسة مستمرة في مدارسنا، بغض النظر عن ظرف الجائحة، بل لن أبالغ لو قلت حبذا أن تقرّر الوزارة تدريس عدد من المقررات بالتعلّم عن بعد فقط، خاصة المقررات التي لا تحتاج إلى المعامل والوسائل الكثيرة مثل مواد العلوم الشرعية والإنسانيات، وذلك كي تستمر هذه العادة لدى طلابنا (وأولياء أمورهم) وكذلك لدى المعلمين والمديرين والمسؤولين التربويين، ومتى احتاج الموقف أن تمارس لمواد أخرى لم يكن ذلك شيئاً غريباً أو جديداً طارئاً، وهي أمنية ذكرت أني أرجو أن تتحقق، وها قد تحققت بوادرها، ويبقى أن تتكرَّم الوزارة الكريمة وتقوِّي قلبها لتستمر في التجربة، وتطوِّرها، وتحسِّنها بما يكفل الجودة في الأداء والجدية في المخرجات، ويجب أن يكون لديها منحنى تعلّم تسير فيه وتقدّر ضرورة الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا أن تتوقف عند أول محطة تشعر فيها بشيء من الاطمئنان. أنا واثق أن هذا هو العزم والنية وأرجو أن تكلَّل الجهود بالنجاح والتوفيق ونرى الأنموذج المطروح للعام الدراسي القادم أنموذجاً طموحاً معطاءً ومتميزاً. لقد ذكرت العام الماضي وقبل أن نخوض جميعاً هذه التجربة ضرورة طرد أي تخوف من مسألة توفر الأجهزة لدى كل من المعلمين والطلاب، وكذلك خبرات الناس في التعامل مع المواقع والدخول إلى المنصة أو أي تطبيق يحتاجه التعلّم عن بعد، وأعتقد أننا اليوم شاهدنا تجاوز ذلك فعلاً، ومع أني لا أملك معلومات إحصائية ولم أطلع على دراسات توضح نسبة الفاقد أو نسبة من لم يتمكنوا فعلاً من استخدام التعلّم عن بعد، لكني (مثل غيري) أبني استنتاجي على ثقتي وأن مثل هذا الأمر لو كان موجوداً بنسبة مميزة لسمعنا عنه بشكل أو بآخر، وقد استفاض العلم تقريباً أن الجميع يستخدمون «المنصة» بدرجة مقبولة، كما أني أزور محلات ومجمعات الكمبيوترات من فترة لأخرى أملاً في رصد حالة طلب زائد على الأجهزة (بما في ذلك المستعملة) ولا أجد ما يلفت النظر كثيراً، المعلمون في الجانب الآخر تحدثت عن ضرورة تطويرهم وتدريبهم وقد لاحظنا تطور قدراتهم ووعيهم ومهاراتهم في تفعيل وظائف المنصة وطرقها مقارنة بما كان عليه الحال أول ما بدأت الجائحة في الفصل الدراسي الثاني العام الأسبق، وما زلنا نطمح منهم بالمزيد ... وسوف أتحدث لاحقاً عن تصوري للدراسة الجديدة -بإذن الله - وكيف تعود المدارس.
** **
- مدير عام تعليم سابقا