عبد الله سليمان الطليان
هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت موضوع العولمة وأثرها على الجانب الاقتصادي والسياسي والثقافي والديني والاجتماعي والإعلامي والبيئي، ومن هذه الدراسات والأبحاث كتاب قام بتأليفه كل من هانس بيتر مارتن وهاروالد شومان، وكلاهما صحفيان من ألمانيا، طبع هذا الكتاب عام 1996م، وانصب تركيزهما في هذا الكتاب على أثر العولمة من الناحية الإنسانية المتعلقة بالعامل البشري، سواء في ألمانيا أو أوروبا، وهنا سوف نسلط الضوء على بعض ما ورد فيه بشكل مختصر جداً وعلى حلقات.
تُعرَّف العولمة بأنها حرية انتقال المعلومات، وتدفق رؤوس الأموال، والأفكار المختلفة، والتكنولوجيا، والمنتجات والسلع، كما تمثل انتقال البشر أيضاً بين المجتمعات الإنسانية المختلفة، حيث يؤدي ذلك إلى جعل العالم أشبه بقرية صغيرة.
إن المستفيد الأكبر من هذه العولمة هو الدول الغربية بما تملكه من اقتصاديات قوية ووسائل تكنولوجية متطورة، فأصبحت شبه مسيطرة على الاقتصاد العالمي، لذا راحت تبحث عن أسواق خارج حدودها لكي تجني الأرباح تحت ذريعة تقديم الدعم للدول النامية أو الفقيرة، وتحسين مستوى الحياة للبشر، والذي ثبت مع الواقع أنه غير صحيح، بعدما سقطت فيه بعض هذه الدول في أزمات خانقة اقتصادياً بفعل التحكم من قبل شركات وأفراد ساهموا على نحو كبير في إيجاد هذه الأزمات، ولعل المكسيك خير مثال على ذلك، والذي ضربه المؤلفان، فعلى الرغم من الانصياع الذي قامت به المكسيك لشروط البنك الدولي، إلا أنها اقتربت من حال الإفلاس بعدما تراكمت الديون الأجنبية، وراح المضاربون في العملات والسندات فيها ينسحبون عن طريق البيع، مما تسبب في الضغط على قيمة سعر الصرف للعملة المحلية، ولم تستطع الحكومة المكسيكية الإيفاء بتسديد هذه الديون، فتدخل البنك الدولي ومنحها قرضاً بمساعدة الولايات المتحدة، يقدر بنحو 50 مليار دولار، من دون استشارة بقية الدول المساهمة في البنك الدولي، مثل: اليابان وبريطانيا وفرنسا، ولقد تحقق ذلك القرض، كما يقول المؤلفان، من أموال دافعي الضرائب في البلدان الغربية، وأوضحا أنها كانت عملية إنقاذ من كارثة اقتصادية، ولكن من ناحية أخرى، والتي عبر عنها بعض رؤساء المصارف في ألمانيا وبريطانيا، بأنها عملية فاضحة شنت ضد طبقة دافعي الضرائب في البلدان المانحة لمصلحة أقلية عظيمة الثراء، وقد اعترف بهذا مدير عام صندوق النقد الدولي، ورد على منتقديه؛ إذ راح يقول إنه ليس هناك شك في أن المضاربين قد جنوا ثمار المليارات الممنوحة.