اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
تابعت بمزيد من الأسف وخيبة الأمل حديث (الوزير) شربل، وزير خارجية لبنان المستقيل، أي رئيس دبلوماسيتها، على قناة الحرة مؤخراً. أجل، أقول لبنان الشقيق، فهكذا عرف السعوديون حكومة وشعباً والأشقاء الخليجيون عموماً دولة لبنان، واعتادوا الحديث عنها بكل احترام وتقدير ومحبة صادقة، بل شكلت لبنان على الدوام أهم وجهة عربية لنا هنا في خليج الخير للسياحة والسفر والتجارة والتعليم والعلاج في الماضي، أيام كنا (بدواً) لم نتحضر بعد، على رأي (الوزير) شربل.
فلا أحد ينكر اليوم ما للبنان من إرث تاريخي، وبعد ثقافي، وموقع استراتيجي، وأهمية كبيرة على اعتبار أنه يشكل إحدى دول المواجهة العربية في الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي طال أمده بسبب توظيف (الوزير) شربل وأمثاله على رأس الدبلوماسية في بعض البلدان العربية.. فهكذا يرى السعوديون خاصة والخليجيون عامة والعرب إجمالاً لبنان، الذي يفترض أنه نبع خير ومحبة وحنان، ودوحة أمن واستقرار وسلام.
لكن للأسف الشديد، لم يكن (الوزير) شربل هذا أول من يوغل بعيداً في الإساءة لأهل خليج الخير وتعييرهم بأصلهم، مع أنه كان ينتظر منه أن يكون رسول سلام يوثق عرى المحبة والتعاون، حسبما يفرض عليه منصبه الدبلوماسي الذي يحتم عليه أن يكون أكثر أعضاء الحكومة اللبنانية لباقة وتهذيباً وبديهة حاضرة، وبعداً عن فضول القول ولغو الحديث، باعتباره على هرم الدبلوماسية في بلاده.
والحقيقة، عندما أقارن ما جاء على لسان شربل هذا عن أهل الخليج بما جاء على لسان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في الوقت نفسه تقريباً في حديثه عن الإخوة السودانيين أثناء مؤتمر باريس الذي عقد مؤخراً، لا أحتاج لكبير عناء لكي أدرك أسباب تخلف الأمة العربية ورجوعها القهقرى؛ إذ نظر ماكرون بعين السياسي الدبلوماسي المحنك، حتى إن لم يكن كذلك، في تاريخ السودان الشقيق، وأشاد بأفضل ما يعرفه عنهم، فحظي باحترامهم وتقديرهم وتصفيقهم له عالياً، واحترامهم لبلاده وتقديرهم لها، حتى إن اختلف البعض مع طرحه؛ فيما نزع (الوزير) شربل، رئيس الدبلوماسية في لبنان الشقيق إلى العكس تماماً، وإن كنا لا نخجل نحن في خليج الخير من البداوة والصحراء والبيد والبعير، بل نعتد بذلك أيما اعتداد. فهذه البداوة والصحراء والبيد والبعير، هي التي ملأت العالم اليوم خيراً حتى فاض، وسعت جاهدة لضمان أمنه واستقراره وتحقيق رخائه.
وصحيح، ليس (الوزير) شربل أول من أوغل في الإساءة إلينا، مع يدنا الطولى التي طالما اعتدنا أن نمدها بالخير دوماً، لكل دول العالم من أقصاها إلى أدناها، خاصة للبنان الشقيق، لأننا نقدر ظروفه، ونعرف تعقيدات الحياة فيه، وتكالب العالم عليه لاستغلاله. فقد سبقه إلى هذه الرذيلة أستاذه الشاعر نزار قباني، ابن موطنه، الذي يلقبونه عندهم بـ(رئيس جمهورية الحب). وحسبما أفهم، إن من يكون قلبه عامراً بالحب ينبغي أن يكون أكثر الناس حساسية وبعداً عمَّا يؤذي من قول أو عمل.
وليس ثمَّة شك أن كل أبناء جيلي قد سمع عن قصيدة نزار القميئة تلك (الحب والبترول)، التي تجاوز فيها الحد في الإساءة إلينا، والسخرية منا، والتهكم علينا، والتعريض بنا، وأفرغ كل ما في جوفه من حقد وحسد وكراهية لأهل خليج الخير، إذ يقول فيها مخاطباً الرجل الخليجي: متى تفهم؟
متى يا سيدي تفهم؟
***
متى تفهم؟
أيا جملاً من الصحراء
لم يُلجم..
ويا من يأكل الجدري..
منك الوجه والمعصم..
***
متى تفهم؟
أنك لن تتملك الدنيا..
بنفطك..
وامتيازاتك.. وبالبترول..
يعبك من عباءاتك
***
أين الوشم فوق يديك؟
أين ثقوب خيماتك؟
أيا مشقق القدمين..
يا عبد انفعالاتك
***
متى..
متى تفهم؟
يا أيها المتخم..
متى تفهم؟
إلى آخر القصيدة الهابطة التي في الحقيقة أربأ عن ذكرها كاملة لما يفوح منها من نذالة وحقد دفين وحسد يغلي وكلمات هابطة لا تشبه أحداً غير صاحبها ومن لفَّ لفَّه مثل (حضرة الوزير) شربل، رئيس الدبلوماسية في لبنان الشقيق، أو قل هكذا كان ينبغي أن يكون.
وعلى كل حال، أطمئن (معالي الوزير) شربل وشاعرهم نزار قباني في قبره أننا هنا في خليج الخير نفهم جيداً، بل خير من يفهم اليوم بين البشر. وليس هذا ادعاءً، كما يحاول الأنذال إلصاق التهم بنا جزافاً؛ بل حقيقة يؤكدها الواقع على الأرض؛ فقد حوَّل الخليجيون الصحراء القاحلة إلى حدائق تنضح بالعبير، وبساتين تفوح بالشذى، تمثلت في دول قوية راسخة مستقرة ذات بنية تحتية استثنائية متينة، كما حوَّلوا الخيام المثقوبة إلى أبراج شاهقة، بل إلى أعلى أبراج في العالم، وحوَّلوا البعير إلى أساطيل جوية على أرقى مستوى في العالم، تقدم خدمة راقية سبع نجوم لعملائها حتى من شاكلة (معالي الوزير) شربل، تجوب قارات العالم في حركة أشبه ما تكون بخلية النحل. وحوَّلنا نحن هنا في دولة الرسالة تحديداً هذا الجدري، الذي تقول عنه يا شاعر المجون إنه أكل منا الوجه والمعصم، إلى فلسفة (طب الحشود) التي وقف العالم اليوم أمامها مشدوهاً، وتتطلع ليس دولة لبنان الشقيق فحسب لكي تتعلم منها، بل حتى الجمهورية الفرنسية التي كانت تستعمر لبنان ذات يوم يشرئب عنقها لكي تتعلم من السعوديين فلسفة (طب الحشود) التي هزمت جائحة كورونا، فيما عجزت عنها كل فلسفات الغرب وأفكاره ومعامل أبحاثه وبروتوكولاته الطبية، بمن فيهم طبيب العالم (منظمة الصحة العالمية). أكفاك أم تريد مزيداً أيها (الوزير) شربل؟
حسناً.. حوَّل الخليجيون أيضاً هذه الصحراء التي كانت قاحلة ذات يوم إلى ورشة هائلة من العمل والإنجاز والإبداع، توافد الناس للعمل فيها من كل بلدان العالم، بل أصبحت الحياة فيها حلماً يدغدغ أذهان كثيرين، ومنهم بعض الإخوة اللبنانيين. أما تخمة الخليجيين فقد أشبعت اليوم بطون مئات ملايين الجوعى الذين وفدوا للعمل والتعليم والعلاج والحياة هنا.. في خليج الخير.
اطمئن أيها (الوزير) شربل، نحن هنا في بلاد الرسالة فهمنا جيداً، أكثر منك بكثير، وإن كنا نربأ أن نقارن فهمنا بفهمك. ويكفي أن أسوق إليك دليلاً واحداً، ربما تعرفه جيداً أكثر من غيرك، أو هكذا يفترض كاتب هذا: نحن السعوديين، وليس غيرنا، سخّر الله فهمنا لنضع حداً لحرب أهلية شعواء قبيحة في بلادك التي تجلس اليوم (حضرتك) على هرم دبلوماسيتها، للأسف الشديد، أكلت الأخضر واليابس.
لا أدري إن كنت (حضرتك) سمعت بـ(مؤتمر الطائف) الذي جمعت فيه القيادة السعودية الرشيدة الصادقة الحكيمة الإخوة الأعداء في بلادك، وتوصلت معهم إلى كلمة سواء، أسكتت بموجبها أزيز المدافع، وأطفأت لهيب النيران؛ لتطلق العنان لصوت ماكينات البناء والتعمير؛ وتحملت في سبيل هذا ما تنوء بحمله العصبة من أولي القوة من جهد ومشقة وحرب أعصاب وإنفاق لا يعرف البخل إليه سبيلاً. وقد موَّلت ذلك كله من البترول الذي يقول عنه شاعر المجون إنه يعبق من عباءاتنا.
أما الإرهاب الذي تقول عنه (يا حضرة الوزير) إننا صدرناه لكم فنحن أول من اكتوى بناره؛ فهل يصدق عاقل أن أحداً يقدم على أن يفقأ عينه بأصبعه؟ لكن قبل هذا، (حضرتك) آخر من يتحدث عنه.. أتعرف لماذا؟ حسناً: اسأل معظم اللبنانيين عن رأيهم في سيِّدك، الذي دفع بك إلى هرم الدبلوماسية في بلادك؟
وختاماً، لا أدري من هو عبد انفعالاته؟ الخليجيون الذين ما تزال قوافل خيرهم تترى للإخوة الأشقاء في لبنان، حتى مع ما يسمعونه من حديث جارح وكذب وادعاء من واحد مثلك، كان ينبغي أن يكون أكثر الناس تهذيباً وأدباً وحنكة واعترافاً بالجميل وتشجيعاً له لكي يتصل، أم هو (حضرتك) حين قطعت حديثك ثم غادرت الحوار في قناة الحرة بتلك الطريقة الفجَّة التي تؤكد للعالم أجمع أن ما سمعناه منك عن الخليجيين ليس بمستغرب من رجل ذاك هو شأنه؟! أرجو أن يكون لديك ما يكفي من شجاعة لتجيب عن السؤال.. وإن كنت أشك في هذا على كل حال.