هناك خصلةٌ عظيمة من خصال الدين القويم وهي من خصاله الرفيعة العليَّة، وهي خصلة مباركة جاء التنويه بها، والحث عليها، والترغيب في فعلها، وذِكر عظيم ثواب أهلها، وجزيل أجورهم عند الله -تبارك وتعالى- في مواضع عديدة من كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنها كظم الغيظ، والعفو، والصفح، والتجاوز عن الحقوق عامة وما يخص الديات خاصة. إن العفو والصفح باب عظيم من أبواب الإحسان، وهو بابٌ عظيمٌ من أبواب نيل الرحمة والغفران، فمن عفا وأصلح فجزاه الله خيرًا، يقول جلَّ وعلا: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237]، ويقول: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى:40]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا».
وقد تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية وبخاصة قنوات التواصل الاجتماعي قصة عفو في جنوب المملكة العربية السعودية يجب أن تُسجَّل بمداد من ذهب وأن يدونها التاريخ للعظة والعبرة بها والاقتداء بهذه الأسرة النبيلة وهم أسرة الأخ محمد بن زابن بن راجح الزهراني وإخوانه ووالدتهم نورة بنت محمد آل عسيله الواهبي الشهراني. لقد سطّرت هذه الأم الفاضلة وأبناؤها قصة عفو تقدّر في زمننا هذا الذي طغت فيه المادة ووصلت الديات عشرات الملايين قد أجارت (قاتل ابنها) وإخوانه وأهله وطلبت منهم عدم رحيل أسرة القاتل من منازلهم إلى أن يتم العفو وقد تم العفو وقد جمعت هذه الفاضلة الأخلاق الإسلامية التي يجب أن يتصف بها الإنسان المسلم من الرضا بقدر الله عزّ وجلّ وعفو وصفح وحلم وصبر ووفاء ونخوة ومروءة وحسن جوار، جزاها الله خيراً وكتب لها الأجر، نعلم يقيناً أن هذه الأسرة عفت عن قاتل ابنها لوجه الله تعالى لا تريد من وراء ذلك جزاءً ولا شكورا ولا تريد إلا ما عند الله سبحانه وتعالى، ولكن من الواجب على كل إعلامي أو صاحب قلم إبراز هذا العمل ومن هذا المنبر أمل أن تكرم هذه الأم الفاضلة وأبناؤها لما قاموا به من عمل قصدوا به وجه الله تعالى ويجب أن يحتذى بهذا العمل ويقتدى في بلاد الإسلام.. هذا ما أردت إيضاحه، والله من وراء القصد.