د. محمد عبدالله الخازم
يدفع الباحث مبلغ 500 ريال رسوم تحكيم أولي غير قابلة للاسترداد، ثم يدفع 1000 ريال في حال تمت الموافقة على إحالة الورقة العلمية للتحكيم. هذه شروط النشر العلمي بمجلة جامعة بيشة، وموقعها لم يفتح معي رغم تكرار المحاولات. ومثلها مجلة جامعة الملك خالد تشترط على الباحث مبلغ 1500 رسوم تحكيم للورقة العلمية، وآخر أعدادها المنشورة على موقعها يعود لمنتصف عام 2019م. هذان مثالان وبقية الجامعات لديها مشاكلها مع مجلاتها العلمية. أشير للمواقع، لأنه في زمن (الرقمنة) ومجلات تحصل على هذه المبالغ من الباحثين يفترض بها أن تؤسس مواقع إلكترونية مقنعة ليراها العالم وليقتنع الباحث بأنها ذات انتشار تستحق أن ينشر فيها مجاناً أو بمقابل مادي. خطر ببالي وصف «أحشفاً وسوء كيلة» مع الاعتذار لقلة اللباقة فيه؛ مجلات بالكاد تجد المواد العلمية الكافية لإكمال أعدادها بدليل عدم انتظامها وصدورها على فترات متباعدة (ربع سنوي مثلاً)، لعدم توفر المادة والقدرة العلمية الكافية للنشر الشهري، ورغم ذلك تطالب بمبالغ كبيرة لغرض النشر.
حال مجلاتنا العلمية الصادرة عن الجامعات وجمعياتها العلمية ينبئك لماذا نتسابق ونضغط على الأساتذة على النشر في مجلات دولية، حتى في التخصصات والبحوث ذات الصبغة المحلية، كأن يكون أحد أفرع الدراسات الإنسانية التي تنشر أبحاثاً محلية وباللغة العربية. أليس هذا اعتراف بضعف أوعية النشر بجامعاتنا؟!
المبلغ ليس قضيتي، لكنه مؤشر، وسيجادل البعض بأن هناك مجلات عالمية كثيرة حول العالم تفعل ذلك. هذا صحيح، لكنها مبالغ رمزية أو في مقابل خدمة إضافية كنشر صور ملونة أو من كونها مجلات تجارية أو صادرة عن جمعيات ذات موارد محدودة. الجامعات والمؤسسات الكبرى تتعامل مع النشر كجزء من واجباتها الأدبية ومسؤوليتها الاجتماعية العلمية فتدعم مجلاتها وتستقطب أفضل الباحثين للنشر فيها. هل تخلت جامعاتنا عن مسؤوليتها الاجتماعية العلمية ولم تعد قادرة على دعم أهم منتجاتها؟ البحث العلمي من الباحث الذي سينشر في تلك المجلات شبه المجهولة وبتلك المبالغ؟ هل وصلت جامعاتنا لهذا الحد من شح الموارد الداعمة للعملية البحثية والنشر العلمي؟
ماذا فعلت وزارة التعليم ممثلة في وكالتها للبحث العلمي لدعم النشر العلمي المحلي؟ هل هناك قاعدة بيانات للمجلات السعودية العلمية؟ هل هناك تصنيف لها؟ هل هناك حاجة إلى زيادة أعدادها؟ أم حاجة إلى تقليص وإلغاء بعضها؟ ما هي مقومات تبني أي جامعة أو قسم أو كلية أو جمعية إصدار مجلة علمية، سواء المقومات الاقتصادية أو العلمية أو التقنية؟
أعتذر من جامعتي بيشة وخالد، فلست أهدف إحراجهما فأغلب المجلات العلمية السعودية تعاني وتبحث عن أي دعم ولو كان عبر الرسوم، لكنهما مثالان فتحا لي باب الأسئلة. وكالة وزارة التعليم للبحث، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الجامعات السعودية ومراكز البحث بحاجة إلى فتح ملف المجلات العلمية المحلية وبحث واقعها وجدواها وآليات صدورها وتطويرها، وغير ذلك من الأمور المتعلّقة بها. إما منتج نثق فيه، أو اعتراف بأننا لسنا مؤهلين للنشر العلمي محلياً ولنوقف هذه المجلات المتواضعة شكلاً ومضموناً!