عبدالوهاب الفايز
في الظروف الراهنة للوضع في فلسطين، ومع ظهور بعض الأصوات الشاذة التي وجدت الفرصة للتشكيك والتقليل من دور المملكة تجاه القضية الفلسطينية، ربما يأخذنا هذا إلى أهمية بناء مشروع لإقرار أيام ومناسبات وطنية تستقر في التقويم الوطني السعودي لتكون أيام إجازات رسمية موزعة طوال العام، وتخصص لإبراز أحداث ومواقف فاصلة في تاريخنا الوطني القديم والحديث.
هذا مهم لتعريف الأجيال الجديدة بالتاريخ المشرف لبلادها، ولرجالها الذين قادوا معركة التوحيد ومشروع بناء الدولة منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، حتى الوقت الراهن. هذا ضروري لحفظ الدور الوطني والتضحيات الكبيرة التي يقدمها المواطن السعودي لبلاده في مختلف المجالات والجهات. فالهدف السامي لهذا المشروع هو تكريس ثقافة الشكر والعرفان والتقدير، وبناء النماذج الإنسانية المستدامة للأشخاص الذين يؤثرون إيجابيًا في الحياة العامة وفي شؤون الدولة.
من هذه الأيام ربما نحتاج إلى تخصيص يوم سنوي يسمى (يوم فلسطين)، أو القدس، أو أية تسمية أخرى تعطي الفرصة لاستعادة واستذكار ما قدمته - وما زالت تقدمه - المملكة منذ الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - حتى الوقت الراهن لقضية فلسطين. في ظل الأحداث الجارية الساخنة بادر السعوديون إلى استحضار العديد من المواد الوثائقية التي تقدم المحتوى التاريخي الذي يوضح وقوف المملكة إلى جانب القضية الفلسطينية، بالذات المواقف السياسية الداعمة في المحافل الدولية.
ومن هذه الوثائق والمراجع العديدة ما أورده الراحل معروف الدواليبي في مذكراته حيث ذكر كيف رد الملك فيصل - رحمه الله - على الرئيس الفرنسي ديغول عندما قال إنه يستغرب كيف أن العرب يريدون رمي إسرائيل في البحر رغم أنها أصبحت أمرًا واقعًا، وهنا قال له الملك فيصل لو أن الرئيس ديغول استسلم وقبل الاحتلال النازي لفرنسا على أنه (أمر واقع)، كما فعل جزء من الشعب الفرنسي، لما تم تحرير فرنسا. وبعد حوار حول التاريخ ومفهوم الاستعمار قال ديغول: الآن فهمت القضية الفلسطينية، ثم طلب بومبيدو (الرئيس الفرنسي لاحقًا) وأمره بإيقاف إرسال السلاح إلى إسرائيل.
طبعًا هناك مواقف أخرى لقيادات المملكة ورجال دولتها في الكثير من المحافل والمناسبات التي تخص القضايا العربية والإسلامية، وذاكرة التاريخ الوطني عامرة وتعطي الفرصة لاختيار أيام في التقويم السعودي لإبرازها.
وحتى نربط الأجيال الحالية والقادمة بتاريخ بلادها، يخدمنا في هذا المسار تخصيص يوم لمؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، ويوم للإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية، ويوم للملك عبدالعزيز. هؤلاء قاموا بأدوار مفصلية وتاريخية لقيام الدولة ولاستمرارها وحيويتها. فكل واحد من هؤلاء القادة كان له الحلم، والإرادة، والعزم على مواجهة التحديات والتضحيات.
وحتى في الشأن المحلي لدينا الكثير مما نحتاج إلى تكريمه وتخليد دوره، وهنا يبرز أمامي أهمية تذكيرنا الآن وتذكير الأجيال القادمة بالدور الكبير الذي قام به جنودنا في الجيش السعودي وفي مختلف قطاعات الأمن، فكثيرون ذهبوا شهداء للواجب الوطني. وحتى نتذكر أرواحهم ودماءهم الزكية نحتاج ليوم سنوي، (يوم الشهيد)، ليكون يوم إجازة رسمية بحيث تُتاح الفرصة لكل قطاع لينظم المناسبات ويعد البرامج والمشاريع التي تكرم الشهداء، وتعطي الفرصة لإطلاق المشاريع الجديدة التي تستهدف المجالات الإنسانية والخيرية والاجتماعية والإعلامية والتعليمية التي تخدم أبناءهم وأسرهم. أيضًا، على سبيل المثال، نحتاج لتخصيص أيام لمن يقومون بأدوار حيوية مثل المعلمين، ففي (يوم المعلم) نهيئ الفرصة لإبراز أهمية التعليم والتربية، بالذات إبراز أهمية دور المعلم والمعلمة.
هذا مجرد حلم بمشروع وطني يوسع دائرة الإجازات والمناسبات الوطنية، ويخدم تكريس الوحدة الوطنية.
وأجزم أن هناك من يهمهم مثل هذا المشروع وربما يعملون عليه الآن. نرجو ذلك!
***
بعد الخراب والدمار الذي نتج عن القصف الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة، خرج قادة حماس مستبشرين بالنصر، وزفوا التهنئة للملالي في طهران، وقالوا إن هذا الانتصار العظيم تحقق بالسلاح الإيراني. هذا الموقف المؤسف ذكرني بهذه الأبيات للشاعر معروف الرصافي:
(لا يخدَعنْك هِتاف القوم بالوطن
فالقوم في السر غير القوم في العَلَن
أحْبُولة الدِّين ركَّت من تقادمها
فاعتاض عنها الورى أحبولة الوطن
فما لهم غير صيد المال من غرضٍ
في اليوم والغد والماضي من الزمن
لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به
رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن
فإن تهادن قوم فانتظر شغبًا
إذ ليس هدنتهم إلا على دخن)