د.شريف بن محمد الأتربي
يعد مصطلح المحاكاة من المصطلحات القديمة التي تم الإشارة إليها في الحضارات والأزمنة السابقة سواء بصورة واضحة تعبر عن مفهومها الصحيح، أو بصورة رمزية من خلال تصريف المصطلح نفسه، فنجد المحاكاة في اللغة، والفلسفة، والعلوم، والأدب، وحالياً في الطب، والحاسوب، وغيرها.
وقد ورد تعريف ومعنى محاكاة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي، كما يلي:
مُحاكاة: (اسم)
مصدر حَاكَى
الْمُحَاكَاةُ فِي القَوْلِ أَوِ الفِعْلِ: الْمُمَاثَلَةُ، الْمُشَابَهَةُ، التَّقْلِيدُ
الْمُحَاكَاةُ فِي عِلْمِ النَّفْسِ: الإِعَادَةُ تَحْتَ تَأْثِيرِ عَوَامِلَ نَفْسِيَّةٍ لِحَرَكَاتٍ وَأَعْمَالٍ
تشكُّل أو تلوُّن كائن حيّ بشكل أو لون شيءٍ ما في بيئته للهروب من أعدائه
تقليد فرد أو جماعة لأخرى في تفكيرها وسلوكها عن قصد أو عن غير قصد.
والمحاكاة هي عملية تقليد -محاكاة- لشيء أو ظرف ما حقيقي أو عملية واقعية، وهي تتضمن بصفة عامة بعض الخصائص الأساسية لسلوكيات النظام المادي أو المجرد المعنية به.
وتستخدم المحاكاة في العديد من الموضوعات الهامة التي تخدم الإنسان، وتيسر له سبل حياته، حيث تتضمن المحاكاة نماذج للنظم الطبيعية والإنسانية بهدف توسيع المدارك والفهم الأعمق حول وظائف تلك النظم.
وتستخدم المحاكاة في العملية التعليمية أيضاً، فهي طريقة أو أسلوب تعليمي يمكن أن يستخدمه المعلم لهدم الفجوة بين العالم الواقعي والتخيل لدى الطلبة.
ويُعتقد أن أسلوب المحاكاة قد استُخدم منذ أن وجد الإنسان على الأرض، كما أشارت بعض الدلائل التاريخية إلى أن أول لعبة محاكاة في تاريخ البشرية هي لعبة الشطرنج التي ترجع إلى سنة 3000 قبل الميلاد في الصين والتي كانت تهدف إلى التدريب على المناورات العسكرية. أما جذور لعب المحاكاة Simulation Game فترجع إلى بداية الحضارة اليونانية؛ فقد بيَّن أفلاطون وغيره من الفلاسفة اليونانيين أهمية تقليد المواقف الحياتية من خلال التدريب عليها.
ومنذ منتصف الستينات من القرن العشرين ازداد الاهتمام بالمحاكاة كطريقة مناسبة وفعالة في عملية التعليم وخاصة بعد ظهور الحواسيب؛ حيث أصبحت عملية المحاكاة للمفاهيم والأنشطة والتجارب تتم من خلال الحاسوب، وأصبح لها دور هام وبارز في العملية التعليمية.
ومع اقتراب عودة العملية التعليمية للمدارس خلال العام الدراسي القادم، شُكلت لجنة بتوجيه من معالي وزير التعليم لرسم السيناريوهات المتوقعة للعودة للدراسة داخل المدارس والجامعات، وقد تجد اللجنة في أسلوب المحاكاة مساعداً لها لوضع كل التصورات والتوقعات التي يمكن أن تحدث خلال هذه المرحلة، خاصة مع وجود أكثرية من الطلاب لم تطأ أقدامهم هذه المؤسسات التعليمية، حيث بدأوا دراستهم عن بُعد مباشرة.
ويمكن أن تطبق هذه المحاكاة من خلال التعاون بين جميع الجهات المعنية، حيث ترتب خلال الفترة القادمة عودة بعض الطلاب لمدارسهم وجامعتهم والانخراط في يوم دراسي كامل يتم من خلاله تهيئتهم للعام القادم، وكذلك دراسة السلوكيات التي سيمارسونها خلال هذا اليوم أو الأيام التي سيكونون فيها تحت تجربة المحاكاة.
وهذه المحاكاة يمكنها أن تقدم تصوراً حقيقياً لكافة الجهات المعنية، سواء وزارة الصحة، المرور، وزارة التعليم، وغيرها من الجهات ذات العلاقة.
إن تطبيق المحاكاة، وأسلوب المعايشة لطلاب الصفوف الأولية، والجامعية، من شأنه أن يعمل على تقليل المشكلات التي قد تواجه هذه الفئة خلال العام الدراسي القادم، كما أنها يمكن أن تهدم الفجوة الزمنية والنفسية والاجتماعية التي عاشها هؤلاء الطلاب خلال فترة التعلم عن بُعد، ويمكن أيضاً مساعدة الطلاب الآخرين الذين سبق لهم الدراسة الواقعية على التأقلم من جديد مع البيئة التعليمية بمفهومها الجديد المتضمن التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد.